Tuesday, May 27, 2008

أصل الانسان .. منظور علمي-الجزء الاخير

كتابات - د.حامد علوان

في هذا الجزء الاخير ساذكر الجنس الذي يمثل الحلقة الاقرب الى البشر منه الى القرود والذي انتهى قبل 30000 سنة بالانسان العاقل الحديث .

Homo habilis

الاسم العلمي يعني الانسان اليدوي وقد سمي هكذا بسبب العثور على بعض الادوات اليدوية البدائية مع عظامه والتي كانت صخورا منحوتة بشكل بسيط .

عاش قبل مليون ونصف المليون سنة تقريبا ولكن تراكيب الجمجة لاترال تحمل بعض صفات سلفه الاخير قرد الجنوب الثقيل (انظر المقالة السابقة رجاءا) مع تحول واضح في حجم الاسنان حيث بدت أصغر بكثير وزيادة ملحوضة في حجم الدماغ حيث بلغ 800 سم3 ، طوله لم يتجاوز 127 سم ووزنه بحدود 45 كغم.

كان هذا الكائن قادرا على التخاطب البسيط وذلك بدليل وجود النتوء الذي تتركه منطقة الكلام في الدماغ من اثر واضح داخل تجويف الجمجة والمعروفة بأسم منطقة دوروس . عثر على عظامه عام 1960 .

Homo erectus

الانسان المنتصب (القائم) . عاش هذا الانسان البدائي قبل 1,8 مليون الى 300 ألف سنة . أهم تطور ملحوظ هو حجم الدماغ حيث بلغ 1225 سم3 . جسمه رشيق أكثر من سابقه وقد طور انواعا جديدة من العدد اليدوية المنحوتة من الصخر او العظام كما كان قادرا على الكلام وقد يكون استخدم النار أيضا . وجهه لازال مختلفا عن انسان اليوم فقد كان عديم الحنك وذا جبهة مرتفعة كثيرا فوق الحاجبين . هذا الانسان كان الاول الذي يغادر أفريقيا فقد عثر على عظامه في أسيا ومنها ما يعرف برجل بكين ورجل جاوا ، كذلك وصل الى اوروبا وهو بذلك أول انسان مهاجر . عثر على عظامه عام 1893 .

Homo sapiens archaic

الانسان العاقل القديم . اول ظهور لهذا الانسان كان قبل 500 ألف سنة وعاشت أجياله 300 ألف سنة وقد عثر على الكثير من عظامه في مناطقة متفرقة . حجم الدماغ متوسط بين دماغ الانسان القديم القديم والانسان الحديث وكذلك كانت الاسنان ولكنه ما زال يحمل بعض الصفات القديمة مثل شكل الحنك وارتفاع عظمة فوق الحاجبين . عثر على عظامه عام 1921 في اوروبا وأفريقيا .

Homo sapiens neandertalensis

الانسان العاقل نياندرتال . لعل هذا اشهر انسان رسخ في اذهاننا منذ الصغر لاننا درسنا تاريخه في المراحل المدرسية المبكرة كشاهد على الانسان القديم . عاش النياندرتال لمدة 200 الف سنة وانقرض آخر جيل له قبل 30 ألف سنة . الغريب فيه ان دماغه أكبر من دماغ الانسان الحديث فقد بلغ حجمه 1450 سم3 وقد يعود هذا الى كبر جمجته و امتدادها الواضح نحو الخلف . الحنك لازال صغيرا وتوجد اختلافات بينة في هيكله العظمي عن انسان اليوم منها شكل لوح الكتف وعظام الحوض . الا ان العظام بمجملها كانت امتن وتدل على بنية قوية وربما كان هذا لمواجهة البيئة التي عاشها والتي امتازت بالبرودة الشديدة. عثر على كثير من العدد التي استخدمها في حياته داخل الكهوف ومنها أدوات تدل على مهارته في الصيد كما انه أستخدم النار جيدا. وتدل آثاره على علاقات اجتماعية تطورت بشكل ملحوظ عما كانت عليه حياة أسلافه فكان هو اول انسان يدفن موتاه ، الا ان هذه العلاقات ربما ابتدأت متأخرة اذ ان اول مقبرة له يعود عمرها الى 100 ألف سنة خلت أي بعد مرور 100 ألف سنة على وجوده في الحياة . أكثر آثاره موجودة في اوروبا والشرق الاوسط . لم يجد أحد الى اليوم عظام لهذا الانسان يقل عمرها عن 30 ألف سنة ، لقد انقرض مخلفا وراءة انسان آخر تحسن مظهره وأداءه بشكل كبير ، ذلك الانسان هو نحن .

Homo sapiens sapiens

الانسان العاقل العاقل . هذا الانسان هو جدنا الذي جر وراءه ملايين السنين من التطور التدريجي البطيئ ، انه سلفنا الذي ظهرت اول آثاره قبل 30 ألف سنة داخل كهف في منطقة دوردون الفرنسية . جمجمته وعظامه تشبه ما عندنا سوى ان عمرها ثلاثون الف سنة مع اختلاف طفيف في شكل الاسنان . طوله بلغ 180 سم في الذكور و 165 سنة في الاناث. حجم الدماغ 1350 سم3 وهم حجم دماغنا اليوم. ادواته اليدوية اصبحت أكثر دقة وتنوعا وعرف غزل القماش وكذلك تذوق الموسيقى فقد وجدت نايات عظمية مع متروكاته .

كلمة أخيرة :

ان الاحافير التي عثر عليها والعائدة للانسان أو الحيوان او النبات تشير بوضوح الى التطور التدريجي الطويل والى الانتخاب الطبيعي الذي ينتج عنه انواع أكثر ملائمة للبيئة وأقدر على مجاراة الظروف الجديدة . وقد رأينا مما تقدم عرضه كيف مر الانسان بمراحل بدائية جدا تجمع في اسلافه صفات القرود والبشر ثم وصل مع الزمن الى ما هو عليه اليوم . لكن الاحافير ليست وحدها الدليل على تطور الانسان فهي تعيدنا الى ماض قريب والى سلف شاركنا فيه الشمبانزي ، انما هناك ادلة تشير الى ماض ابعد بكثير، الى اصولنا السحيقة والى الحيوانات التي سبقت القرود بئات الملايين من السنين، تلك الادلة لاتحتاج الى نبش ولا سفر للبحث عنها انها في أجسامنا حتى اليوم ، وهي في أجسامنا لان جيناتنا لم تنسها وأحتفظت بها لتدلنا على اصولنا الغائرة في تاريخ الارض . الجينات لاتظهر تلك الصفات اليوم لان الانسان لم يعد بحاجة لها كما كانت اسلافه تفعل ، ولكن تترك اثارها فينا بوضوح ، واليكم بعض الامثلة :

الاعضاء البدائية

بعض الاعضاء الجسمية تفقد وضيفتها بسسب تكيف الكائن الحي لبيئة جديدة لها متطلبات مختلفة ، مثل هذه الاعضاء تختفي من الجسم مع استمرار التطور ولكن تترك لها آثارا تشهد على وجودها القديم . تلك الاعضاء تتكون في بداية النمو الجنيني ولكنها لاتستمر في نموها بل تتوقف لان وظيفتها معطلة .أحد الامثلة هي الزائدة الدودية في الانسان (المصران الاعور) . فهذه الزائدة ليس لها اية وظيفة بل تصبح عبئا عند تعرضها للالتهاب ولكن لها وضيفة هضمية مهمة في الحيوانات المغتذية على الاعشاب لهذا نجدها طويلة نسبيا ونامية وفعالة هناك ، أما الانسان الذي لم يعد غذاؤه مقتصرا على النبات بل شمل اللحوم ايضا فلم يعد لتلك الزائدة اي أهمية فبقيت أثرا وربما تزول بالتطور المستمر بعد الاف السنين (الزائدة غير موجودة في الحيوانات التي تغتذي على اللحوم فقط – المفترسات). المثال الاخر في الانسان هو أثر الذيل أو الفقرة الذيلية (العصعص) ، الذيل أختفى من الانسان عندما بلغ به التطور ان يمشي على قائمتين ولم يعد بحاجة للذيل الذي لو استمر سيعيق قدرته هذه فأختفى وبقي أثره شاهدا على ماضينا السحيق عندما كان أسلافنا بذيل .

تشابه الاجنة

في عدد كبير من الحيوانات ، بيوضة كانت ام لبونة تتشابه الاجنة في مراحل نموها الاولى وهذا التشابه الذي احتفضت به الجينات لايمكن تفسيره الا بكون هذه الحيوانات منحدرة من سلف مشترك. جنين الانسان له ذيل في الاسابيع الثلاثة الاولى من عمره وكذلك له تراكيب غلصمية في منطقة الرقبة تتحول لاحقا الى الجهاز السمعي .

التشابه التشريحي

أعضاء كثيرة في الحيوانات المختلفة تتكون بالطريقة ذاتها ولها وضائف متشابهة كما ان خطها التطوري اثناء النمو جنيني متشابه ، مثل هذه تسمى بالاعضاء المتجانسة . لو نظرت مثلا الى عظمتي ساعد الانسان وعظمتي اليد في الخروف و عظمتي يد الفقمة ستجد تشابها ملفتا للنظر في التركيب والوظيفة . الحيوانات التي لها الاعضاء المتجانسة ذاتها لا بد ان يكون لها صلة قرابة بعيدة.

وأخيرا هذا غيض من فيض ، ان شئت صدقه أو انفيه ، ذلك ما يفعله غيرك على اية حال ، ولكني اضع أمامك الحقيقة التالية ، الحياة ليست شيئا جامدا بل انها في حركة مستمرة ، كل شيئ في هذا الكون متحرك وكل متحرك لا بد ان يتغير مع الزمن ، تحكم الطبيعة ان يكون هذا التغير نحو الافضل .. اليس هذا هو التطور!

snobserver@yahoo.com

أصل الانسان .. منظور علمي- 7

كتابات - د.حامد علوان

لم يتوقف الانسان الحديث في يوم عن سؤال نفسه من أين جئت الى هذا العالم وكيف ؟ وللاجابة على تساؤلاته سلك كل مسلك ممكن لايجاد الحقيقة التي تكشف الغموض . ومع تطور العلم صار حل الكثير من الغاز الحياة ميسورا فوصل الانسان الى قدر كبير من المعرفة في هذا الشأن . وكما نرى فأن نظرية التطور بدأت كأفكار فلسفية لتفسير التنوع الهائل في الكائنات الحية لكنها اليوم أصبحت واقعا تدعمه الادلة والبراهين المادية التي تقطع الشك باليقين لعل من أهمها أكتشاف التركيبة الوراثية للاحياء ( الجينوم ) والتي ظهر انها تتشابه تشابها عجيبا بين مختلف الاحياء ، فتركيبتها الكيميائية (كما مر شرحه) واحدة لاتتغير في أي خلية كانت كما ان التشابه في التركيبة الجينية يقود للاعتقاد ان الاحياء ذات صلة ببعضها ، ليس في الزمن الحاضر ولكن قبل الملايين من السنين وهذا ما تثبته الاحافير

المختلفة . الانسان مثلا له جينوم يشبه جينوم الشمبانزي بنسبة 98 % ويشبه جينوم خلية الخميرة بنسبة 70 % وهكذا . ومن المعلومات التي تراكمت من ما يعرف بمشروع الجينوم البشري الشهير ( تخطيط الشفرة الوراثية البشرية ) ومن المعلومات المستقاة من أحياء مختلفة أخرى يستطيع العلماء أن يقولوا لك التالي :

- انسان اليوم انحدر من كائن بشري عاش قبل 270000 سنة .

- الانسان وقرود العالم الحاضر لهما سلف واحد مشترك عاش قبل 7 ملايين سنة .

- الانسان والفأر كان لهما سلف مشترك قبل 50 مليون سنة .

- كل الحياة على الارض ابتدأت قبل 3,5 مليار سنة .

ولكن كيف بدأت القصة ، أي قصة تطور الانسان التي استحوذت على تفكير الباحثين بعد ان كانت مجرد نظرية القى بها دارون كالقنبلة في الوسط العلمي . بدأت الحكاية عام 1856 عندما عثر بعض العمال في منطقة نياندرتال في المانيا على جمجة بشرية غريبة المظهر لاتشبه ما رآه الناس من قبل فأوحى ذلك الى من عاينها ان يرجع غرابة شكلها الى سبب عجيب وهو ان صاحب تلك الجمجمة كان مصابا بالكساح . لم يدر في خلد احد آنئذ انها ربما تعود لانسان قديم لان ذلك سيعد خبلا.

ولكن بعد دراستها من قبل مختصين برز اعتقاد مفاده انها تعود لانسان نصفه قرد ونصفه بشر مما حدا بالباحث الالماني أرنست هنريخ ان يطلق عليه أسم :

Pithecanthropus erectus

والتي تعني شبيه القرد المنتصب (القائم) ، الا ان هذه التسمية تغيرت فيما بعد الى أنسان نياندرتال والذي سيأتي التعريف به لاحقا . أثار هذا الاكتشاف على أية حال حماس العلماء في ذلك الوقت فدفقوا يبحثون في أرجاء الارض للعثور على بقايا مماثلة فأفلحت جهود طبيب هولندي أسمه يوجين دوبويس بأيجاد جمجة قريبة الشبه بجماجم القرود العليا ، كان ذلك على ضفاف أحد الانهار في اندونيسيا ، ولكن الذي أثار الفضول هو العثور على عضمة بشرية بالقرب من الجمجمة ، الامر الذي رسخ الاعتقاد بوجود كائن وسط بين القرد والانسان . ثم توالت اكتشافات الجماجم والعظام . في العرض التالي سأصف الاجناس التي تطور عنها الانسان وسأذكرها بأسمها العلمي المكون من مقطعين أسم الجنس وأسم النوع للتأكيد على انها ليست جنسا واحدا بل عدة أجناس تعود لها انواع مختلفة كلها يطلق عليها أسم القرود الاولية والتي تضم أضافة للقرود الانسان القديم أيضا . وأرجو مراعاة ان ترتيب الاجناس التالية مبني على اساس عمرها الجيولوجي ابتداءا من أقدمها عمرا أو حسب ما تقتضيه الضرورة .

Sahelanthropus tchadensis

الاسم العلمي يعني الانسان الساحلي التشادي ، والساحل اسم منطقة في تشاد وليست ساحل البحر . عثر على جمجمة هذا الكائن عام 2002 وهي أقدم أحفورة لسلف بشري يعود عمرها الى أكثر من خمسة ملايين سنة ( عصر الميوسين ). فجوة الدماغ هي بحجم دماغ الشمبانزي ( 530 سم3 ) تقريبا لكن الاسنان بشرية ولايعرف ان كان يمشي على اربع أو اثنين لعدم العثور على عظام الساق . وقد عثر الباحثون قبل سنة أيضا على عظام أخرى في الموقع ذاته ولكن نتائج دراستهم لم تنشر بعد الا انهم يقولون انها ستضيف معلومات مهمة عن حياة الانسان في تلك الحقبة . يستنتج العلماء ان الجمع بين صفات الشمبانزي الواضحة على الجمجمة والانسان في هذا الكائن تدل على حلقة تطورية من الشمبانزي القديم نحو الانسان . وفي عام 2001 عثر في كينيا على بقايا عظام لاسلاف بشرية صنفت على انها جنس جديد لسلف بشري ولكني لن أتطرق هنا لذلك لان الجدل حول صلاحيته كجنس مستقل لايزال قائما .

Ardipithecus ramidus

الاسم العلمي يعني قرد الارض . تم العثور على عظام هذا الكائن عام 1992 وأعطي له اسمه العلمي عام 1994. يعود تاريخ العظام الى 4,4 مليون سنة مضت ولكن عظاما أخرى تعود لهذا النوع تم كشفها في مناطق أخرى تعود الى حقبة أقدم . معظم البقايا عثر عليها في أثيوبيا . يبلغ طول الكائن 122 سم وله صفات أقرب للشمبانزي منها للانسان لكنه كان يمشي على قائمتين ( يسمى علميا ثنائي القائمة).

Australopithecus aramensis

الاسم العلمي يعني قرد الجنوب. عثر على أحافير هذا الكائن في فترات متفاوتة ما بين 1965 و 1995 في كينيا لكنه لم يحمل اسمه العلمي الا في 1999 بعد دراسة مستفيضة لعظامه . عاش هذا المخلوق بين 4,2 الى 3,9 مليون سنة مضت . الجمجمة والاسنان تشبه الشمبانزي القديم ولكن عظام الاطراف كثيرة الشبه بالانسان كما نه كان يمشي على قائمتين .

Australopithecus afarensis

الاسم العلمي يعني قرد الجنوب الافاري نسبة الى منطقة أفار في أثيوبيا . عاش هذا الكائن قبل 3,9 الى 3 مليون سنة . وجهه يشبه القرد مع وجود بروز عظمي عال فوق الحاجبين وأنف مفلطح ولم يكن له حنك . حجم تجويف الدماغ يتراوح بين 375 الى 550 سم3 . أسنانه تشبه اسنان الانسان والانياب صغيرة . الفكوك ليست مربعة كما في الشمبانزي ولكنها تشبه استدارة الفكوك البشرية . عظام الساقين تشير الى قوة جسدية لكن الذكور كانت أكبر وأضخم من الاناث ، يتراوح الطول بين 107 الى 152 سم . ابهام القدم أطول من ابهام قدم الانسان ومنحرف الى الخارج وهذه صفة تشير الى انه كان متسلق أشجار أضافة لكونه ثنائي القائمة.

عثر على أول العظام عام 1973 ولكن في عام 1974 تم العثور على الهيكل العظمي الانثوي الشهير لهذا النوع والمعروف باسمه الشائع " لوسي " .

Australopithecus africanus

قرد الجنوب الافريقي. عاش في الفترة بين 3 الى 2 مليون سنة مضت وتظهر عليه صفات الانسان أكثر من النوع الذي سبقه (الافاري) كما انه أكبر حجما منه مع زيادة طفيفة بحجم الدماغ تزيد قليلا عن حجم دماغ الشمبانزي ( حجم الدماغ صفة تطورية مهمة جدا ). الفكوك قريبة الشبه بفكوك البشر لكنها أكبر حجما مع صغر حجم النيبان وكبر الاضراس مما يشير الى طبيعة تغذيته كأكل الفواكه أو النبات . عثر على عظامه عام 1924.

Australopithecus robustus

قرد الجنوب الثقيل. سمي بالثقيل لكبر جمجمته وضخامة أسنانه. عاش قبل مليونين الى مليون ونصف سنة. الوجه مسطح كثيرا ولا يوجد بروز عظمي فوق الحاجبين، الاسنان الامامية صغيرة لكن الطواحن كبيرة بمل يدل على ان غذاءه كان نوعا خشنا يحتاج الى مضغ شديد. حجم الدماغ 530 سم3. هناك أدلة عثر عليها مع العظام تشير الى استخدامه لبعض الادوات اليدوية البسيطة. عثر على عظامه عام 1938.

Zinjanthoprus boisie) Australopithecus boisei )

يلاحظ ان الاسم العلمي القديم (بين قوسين) لهذا الكائن يبدأ بكلمة زنج وهي من اللغة العربية كما لايخفى وتعني في مفهومنا الحاضر الانسان ذا اللون الداكن ولكنها في الحقيقة كانت تشير قديما الى مكان في شرق أفريقيا ولا يصعب على القارئ ربط المعنى الحالي بالمعنى القديم. عاش القرد الزنجي هذا قبل مليون ونصف المليون سنة. وجهه أكثر تسطحا من سابقه وأقرب للانسان منه للشمبانزي ولكن جمجمته وأسنانه أكثر ضخامة. عثر على عظامه عام 1959.

يلاحظ مما سبق ان كل الانواع العائدة الى جنس قرد الجنوب والتي تطورت عن بعضها كما تشير الى ذلك تواريخ وجودها على الارض أنها تجمع بين صفات الشمبانزي القديم والانسان لهذا يعتقد العلماء انها مراحل وسطية في تطور الإنسان من سلف مشترك مع القرد الى الانسان الذي نعرفه اليوم . أما الأنواع الأكثر تطورا والتي سوف أأتي على ذكرها لاحقا فقد أقتربت من الصفات البشرية حتى الوصول الى الإنسان العاقل. وأود الاشارة هنا الى انني حذفت من القائمة السابقة كما سأحذف من القائمة اللاحقة بعض الأنواع التي لا أرى انها تمثل تحولا مهما في التطور الإنساني وتقتصر أهميتها على النواحي التصنيفية.

snobserver@yahoo.com

أصل الانسان .. منظور علمي - 6

كتابات - د.حامد علوان

قبل الاسترسال في اكمال موضوعنا عن أصل الانسان أود الاشارة الى العدد غير القليل من الرسائل التي وصلت بريدي الالكتروني . بعض تلك الرسائل جاء من مثقفين عراقيين أعتز كثيرا برسائلهم رأوا ان التطرق الى هذه المعلومات أمر شيق فيه اثراء للثقافة العامة في وقت امتلات به الصحف ومواقع الانترنت بالمقالات السياسية فلم يعد عند الفرد العراقي متسع ذهني أو رغبة للبحث عن مواضيع أخرى للقراءة كسابق عهده . أما المجموعة الاخرى من الرسائل فيبدو انها من أصحاب الموجة الجديدة في العراق ممن لايرون في الحياة غير الظلام والعودة للخلف فاتهموني بالكفر والالحاد والتخريب . وأعود بهؤلاء الى الجزء الاول من المقالات حيث قلت ان غرضي هو عرض المعلومات العلمية الدقيقة والموثوقة والتي بنيت على الادلة المادية لنشأة الحياة ككل وأصل الانسان كجزء خاص . لهؤلاء أقول اذا أغمضتم عيونكم حتى لاتروا الشمس فلا يعني هذا ان الشمس قد أفلت ، ان الحقيقة هناك شئنا أم ابينا .

بعض الرسائل تشكك في صحة المعلومات ويقول أصحابها ان ما يقال ما هو الا تحريف ، فهل يعتقد هؤلاء ان الملايين من المتحجرات وأحافير الحيوانات التي تملا المتاحف الطبيعية والمختبرات العلمية والطبيعة ذاتها أضافة لهياكل الديناصورات الكثيرة وأحافير اللبائن القديمة ، هل كل هذه صنعها أو اختلقها الكفار بأيديهم ليخربوا الدين ، أم هل يظنون كما قال أحدهم ان تلك العظام تعود الى زمن واحد ولا تفصلها عن بعضها ملايين السنين ولا هم يحزنون ، بمعنى ان العلماء يكذبون في شأن الاعمار والعصور الجيولوجية المختلفة . ان من السهل على أمثال هؤلاء ومنهم الكثيرون في كل العالم ان ينكروا صحة تلك المعلومات ولكن بالمقابل ليس في ايديهم اي دليل يثبت العكس سوى ما تقوله الكتب السماوية التي لاتتحدث الا عن بضعة الاف خلت من السنين .

ولكي اكون مقنعا للمتشككين ، وطالما سأتحدث لاحقا عن أعمار الكائنات شبه البشرية أو اسلاف الانسان البدائية التي عاشت قبل بضعة ملايين من السنين، أرى من الضروري اعطاء فكرة ولو موجزة عن تقنيات تقدير أعمار الاحافير ، وسأختار أيسر الطرق وأوضحها أي تلك التي نسميها ساعة الكربون. وكما هو معروف فأن الكاربون عنصر أساسي في الحياة وان اي مركب حياتي في أجسامنا هو بالحقيقة مركب كاربوني . يتوفر الكربون في الجو بأشكال عدة أحدها يعرف بالكربون 14 المشع ( أثقل من الهيدروجين بـ 14 مرة ) أو ما يعرف كيمائيا بأسم النظير كربون 14 . هذا الكربون ليس عنصرا طبيعيا ولكنه يتكون في طبقات الجو العليا بفعل الاشعة الكونية غير انه وبعد تشكله يدخل في تركيب غاز ثاني اوكسيد الكربون . عندما ياخذ النبات هذا الغاز أثناء عملية البناء الضوئي فأن الكربون سيتحول الى سكر (جلوكوز) ومن ثم الى مركبات عضوية أخرى في النبات أي ان الكربون 14 سيدخل في العديد من المركبات الكيمائية في جسم النبات. وعندما يتغذى الانسان مثلا على النباتات فان ذلك الكربون سينتقل الى جسمه ويدخل في التفاعلات الكيمائية المختلفة ومنها بناء العظام والاسنان فيستقر فيها دون تغيير حتى موت الانسان والحال ذاته بالنسبة للحيوانات وكذلك النباتات حيث يستقر في الجذوع أو اغلفة الثمار وهكذا . وبما ان هذا الكربون يشع طاقة مستمرة (أي يتحلل ) شأنه شأن أي نظير مشع آخر ، فهذا يعني أنه يفقد طاقتة وبالتالي لابد ان يأتي يوم تنفذ فيه هذه الطاقة بالكامل فيتحول الكربون الى شكل آخر ، ولكن فقدان الطاقة هذا أمر تدريجي وبطيئ جدا بحيث ان الكربون 14 يفقد نصف طاقته بعد 5730 سنة ، وهذا مانسميه نصف العمر . وبما اننا نعرف مقدار الطاقة التي يشعها الكربون في الجو والتي ستكون ذاتها تماما عندما يدخل في تركيب عظمة أو جذع شجرة أو حتى صخرة ، فأننا بالتأكيد سنعرف عمر هذا العظم فيما بعد بقياس مقدار ما يشعه الكربون أو بالاحرى بقياس ما تبقى من طاقته ، فأن وجدنا مثلا ان الكربون فقد نصف هذه الطاقه فسيكون عمر العظمة 5730 سنة وأذا وجدنا انه فقد ثلاثة أرباع طاقته سيكون عمر العظمة 11460 سنة وهكذا . غير ان للكربون نصف عمر قصير كما لاحظنا وبالتالي فهو لايصلح لتقدير الاعمار الطويلة لهذا يلجا الباحثون الى استخدام نظائر مشعة أخرى موجودة في الطبيعة مثل مزدوج البوتاسيوم – أرجون الذي له نصف عمر يمتد لملايين السنين .

أما للقارئ الذي كتب لي يقول هازئا هل أخبرك أبوك ان البحر كان يغطي الارض قبل مئة مليون سنة فأقول لو انك نبشت الارض في مكان ما يبعد عن البحر مئات الكيلومترات ووجدت في صخوره أحافير لقواقع بحرية وأصدافا مختلفة فهل يعني لك ذلك ان هذه الحيوانات خرجت ذات يوم من البحر لتتنزه فظلت طريقها وابتعدت حتى قتلها الظمأ ، أم ان المنطق يقوال ان هذه الاصداف هنا منذ ملايين السنين لان البحر كان هنا وعندما ماتت تلك الاحياء ترسبت في القاع فلما انحسر الماء بقيت مطمورة في الصخور . ان الجهل يعمي البصر والبصيرة! .

أعود لكم لاحقا لاكمال الموضوع وأعتذر ان شطّ بي الحديث بعيدا عن مقصدنا الاساسي وهو أصل الانسان .

snobserver@yahoo.com

أصل الانسان .. منظور علمي - 5

كتابات - د.حامد علوان

العصور الجيولوجية .. تكملة

الحقبة المتوسط للحيوانات ( ميسوزويك 248 – 65 مليون سنة خلت )

سميت هذه الحقبة بالمتوسطة أو الوسطية لان الحيوانات التي ظهرت فيها لم تكن تشبه مجموعات الحيوانات التي مر ذكرها في الحقب السابقة ، كما انها لاتشبه الحيوانات التي اتت بعدها ، ولم يقتصر الامر على الحيوانات بل شمل النباتات أيضا . ولكي نتعرف على هذه الحقبة لابد من القاء نظرة ولو عاجلة على عصورها الثلاثة المختلفة .

أ. العصر الترياسي ( 248 – 206 مليون سنة خلت )

استمرت قارة بانجيا التي تشكلت في العصر البرمي ( السابق ) على حالها في معظم زمن هذا العصر الا انها بدأت بالتشقق في أواخره صاحب ذلك ارتفاع في مستوى سطح البحر ، أما الجو فأصبح أكثر دفئا وأعلى رطوبة . ظهرت اولى الديناصورات الصغيرة في هذا العصر والتي لم يتجاوز طولها نصف قدم لكن اعدادها تزايدت مع الوقت . بدأت بعض أنواع اللبائن التي تطورت من الزواحف بالظهور أيضا كذلك ظهرت أعداد من أنواع الافاعي والسحالي . أما ظروف المناخ الجافة فلم تساعد على ازدهار النباتات كثيرا خاصة في مناطق شمال خط الاستواء الا ان النصف الجنوبي من الارض شهد ازدهارا كثيفا للصنوبريات وبعض الحزازيات.

ب. العصر الجوراسي ( 206 - 144 مليون سنة خلت )

أنقسمت قارة بانجيا العملاقة الى جزئين كبيرين ، جزء الى الشمال سمي لوراسيا وجزء جنوبي سمي جوندوانالاند . بقي الجو دافئا مع ارتفاع أكبر في الرطوبة ، اما قطبا الارض فكانا عاريين من الجليد . في هذا العصر بالذات ظهرت الديناصورات الضخمة ليصل أحد انواعها الى اكبر حجم لحيوان عرفته الارض في تاريخها ، فقد بلغ طول الديناصور براكيوسورس 24 مترا وارتفاعه 13 مترا ووزنه 50 طنا . انه عصر الديناصورات العملاقة آكلات النبات . أما المحيطات فقد عمرت بالاسماك وبعض الديناصورات البحرية كما سادت في السماء ديناصورات طائرة لم يعد لها وجود فيما بعد مثل بيتروسورس . هذه الفترة أيضا وبسبب الدفئ والرطوبة ساعدت على نشوء بعض النباتات الزهرية لتبدا رحلتها في الحياة وتزدهر في العصور اللاحقة .

ج . العصر الطباشيري ( 144 – 65 مليون سنة خلت )

استمر ابتعاد القارتين عن بعضهما ثم انفصلت امريكا الجنوبية عن افريقيا وانفصلت استراليا عن القارة القطبية الجنوبية ، وهذا الانفصال احدث خطا جديدا في التطور اذ دفع الى ظهور نوع من اللبائن عديمة الفكوك . أنفصلت الهند ايضا عن جوندوانالاند لتبدأ رحلة ال 8000 كيلومتر الطويلة حتى مستقرها الحالي . أما الجو فقد استمر دافئا ورطبا و ممطرا . ولعل أهم مايطبع هذه العصر هو انقراض الديناصورات في اواخره أي قبل 65 مليون سنة رغم كثرة انواعها و أعدادها الكبيرة التي سادت الارض عشرات الملايين من السنين ، ولن نخوض في الاراء حول اسباب انقراضها مخافة الاطالة ولكن على اية حال سمح انقراض الديناصورات الارضية لحيوانات أخرى كانت ثانوية الاهمية بالانتعاش والتطور الى انواع جديدة . كذلك شهد العصر تنوع النباتات الزهرية وانتشارها الواسع كما ابتدأ ظهور الاعشاب والخضارالتي لم يكن لها وجود سابقا .

الحقبة الحديثة ( سينوزويك 65 مليون سنة خلت الى الزمن الحاضر )

امتدت هذه الحقبة لفترة 65 مليون سنة اي منذ الانقراض الكارثي للديناصورات وحتى يومنا هذا . ويطلق بعض العلماء على هذه الحقبة تسمية عصر اللبائن بسبب ازدياد اعداد انواعها وسيادتها على الارض رغم ان بعض اللبائن ظهرت قبل هذا التاريخ كما اسلفنا . ورغم القصر النسبي لزمن هذه الحقبة الا انها تقسم الى حقب ثانوية وعصور فرعية سنكتفي بالاشارة الى أهمها .

أ. عصر الباليوسين ( 65 - 54,8 مليون سنة خلت )

في هذا العصر بدأت حرارة الجو بالانخفاض خاصة عند القطبين بينما كان معتدلا في ارجاء المعمورة الاخرى (لم يعد دافئا). تنوعت اللبائن تنوعا كبيرا فظهرت انواع جديدة ومنها بروز الحيوان المعروف بأسم جليتودون في أمريكا الجنوبية ( لبون يغطى ظهره درع سميك ). شهد البحر ظهور حيوانات جديدة مثل قنفذ البحر أضافة لازدياد تنوع الاسماك واللا فقريات. ازداد انتشار النباتات الزهرية الى اماكن لم تكن موجودة فيها.

ب. عصر الايوسين ( 54,8 – 33,7 مليون سنة خلت )

في هذا العصر استمرت القارات بالتحرك نحو مواقعها الحالية وتم انعزال الامريكتين بعيدا عن آسيا واوربا فأوجد ذلك خطا جديدا للتطور في البيئات الجديدة. في هذا العصر أيضا بدأ ظهور أسلاف اللبائن الحديثة ( عدا الانسان ) ولكنها كانت صغيرة الحجم لم يزد وزنها عن 10 كيلوغرام مع تنوع كبير في الاحياء الاخرى. في البحار ايضا أستمر ظهور انواع اخرى من الاسماك واللافقريات وبداية ظهور الحيتان التي يعتقد انها انحدرت ( تطورت ) من حيوان ارضي ثم تكيفت للمعيشة في الماء. ظهرت أيضا في البحر النباتات المجهرية وحيدة الخلية المعروفة بالعوالق النباتية والتي شكلت فرصا جديدة للتنوع الحياتي البحري نظرا لكونها قاعدة الهرم الغذائي في البيئة البحرية ( عوالق نباتية ــــ> عوالق حيوانية ويرقات اسماك ــــــ> اسماك وحيتان )

د. عصر الاوليجوسين ( 33,7 – 23,8 مليون سنة خلت )

رغم قصر هذا العصر النسبي الا انه شهد تغيرات واضحة منها ظهور الفيل والحصان القديم و مجموعة كبيرة من انواع الاعشاب غير المعروفة سابقا والتي منحت العواشب ( آكلات الاعشاب ) فرصة كبيرة للازدهار والتنوع والتطور مثل تطور الاجهزة الهضمية في المجترات ، وبأزدياد انواع العواشب ظهرت انواع اخرى من المفترسات التي صار غذاؤها متوفرا ( ظهرت هنا الكلاب والقطط ) . أما الجو فمال للبرودة وغطى الجليد أقطاب الارض .

ه . عصر الميوسين ( 23,8 - 5,3 مليون سنة خلت )

في هذا العصر برزت فوق الارض سلاسل جبال روكي والالب والهملايا وغيرها كنتيجة لتصادم كتل اليابسة ( الحركة التكتونية لصفائح الارض ) . ازداد تنوع العواشب التي طورت ستراتيجيات جديدة للهرب من المفترسات المستشرية والآخذة بالازدياد ومن هذه الوسائل ميكانيكية خزن الغذاء الفائض عن الحاجة داخل الجسم وبهذا تستطيع الاختباء لفترة ما من اعين المفترسات مما يزيد في فرص بقائها . ظهرت ايضا انواع جديدة من الطيور مثل الحمام والببغاء ونقار الخشب ، وأيضا نشأت بعض اللبائن الصغيرة مثل الفئران وخنازير غينيا ( هذه أمثلة وليست للحصر ) .

و . عصر البليوسين ( 5,3 - 1,8 مليون سنة خلت )

انخفضت حرارة الجو فتبعها تراكم اكثر للجليد في الدائرة القطبية الشمالية والقطب الجنوبي . ازدادت الاعشاب انتشارا بحيث غطت جميع القارات صحبها ظهور تنوع جديد في العواشب أمثال الغزلان والزرافات وحمير الوحش . أما النباتات الزهرية والثمرية فل تشهد تطورا ملحوضا . لكن الذي أضفى صفة جديدة على هذا العصر هو العثور في عام 2002 على أحافير لكائن شبيه بالانسان في وسط افريقيا فتم تصنيفه واعتباره اول سلف للبشر يظهر قبل ما يقرب من خمسة ملايين سنة ، وسوف أعرض لهذا الموضوع بكثير من التفصيل في المقالاات القادمة.

ز . عصر البليستوسين ( 1,8 مليون – 10000 سنة خات )

هذا هو العصر الجليدي الذي تكفنت فيه الارض بالثلج . غير ان الجليد لم يطمر الارض طيلة هذه الفترة بل كانت هناك فترات متعاقبة من الدفئ والبرودة فكان الجليد يزول ويعود ، أما آخر عهد للارض بالجليد فكان قبل عشرة آلاف سنة مضت . بعض اللبائن انقرضت خلال هذا العصر من مثل فيل الماموث لكن معظم أحياء هذه الفترة من نبات أو حيوان أستطاعت ان تصل الى عالم اليوم . أما أهم ما يميز هذا العصر فهو التطور الكبير الذي حصل في الجنس البشري والذي وصل في أواخره الى الانسان الذي نراه اليوم .

ح . العصر الحديث ( هولوسين 10000 سنة الى الحاضر)

لتعرف شكل الحياة في هذا العصر الوجيز فانك لن تحتاج أكثر من النظر لما حولك ، فلم يتغير الكثير خاصة وان الفترة الجيولوجية قصيرة جدا ، لكن اذا اردنا ان نطلق تسمية معينة على هذا العصر فسيكون بلا منازع عصر الانسان العاقل . هذا الانسان العاقل سيجر بعقله كل شيئ الى خراب او زوال فالارض لم تشهد خلال تاريخها الطويل اي كارثة بيئية في فترة قصيرة ليست اكثر من طرفة عين كما تشهده اليوم . لقد غير الانسان البيئة بأصرار وحشي الى الاسوأ وبطرق عدة مثل التلوث الهائل بكل انواعه وتغيير البيئة الطبيعية بازالة مكوناتها كالغابات وتخريب طبقة الاوزون التي سيكون ضررها بالغا . ولدينا من الادلة ما يكفي للاعتقاد ان 20 % من أحياء الارض ستنقرض تماما في حلول عام 2020 .

سنعود في الحلقة القادمة الى نبش تاريخ الانسان والتعرف على أسلافه وتطورها لنرى أصل الانسان كما يراه العلم .

snobserver@yahoo.com

أصل الانسان .. منظور علمي - 4

كتابات - د.حامد علوان

العصور الجيولوجية

من أجل أضفاء صورة أشمل على موضوع نشأة الحياة التي تعرضنا لها بشيئ من التركيز في المقالات السابقة ، أرى من الضروري المرور على التاريخ الجيولوجي للارض والتعرف على سجل الاحياء التي ظهرت وأنقرضت أو التي أستمرت وتلك التي ارتقى منها الانسان كما تقول نظرية التطور ( ليست القرود التي نعرفها على أية حال كما يخيل للكثيرين ) . ولابد لي ان اضع أمام القارئ نقطة هامة جديرة بالملاحظة وهي ان التاريخ الجيولوجي للارض لهو أصدق تاريخ يمكن ان يثق به البشر لسبب بسيط وهو ان هذا التاريخ لم يكتبه انسان بل هي بقايا متحجرة لاحياء عاشت واندثرت وتركت لنا ما يكفي ليحكي قصتها من اولها الى آخرها ، اما التاريخ الذي كتبه الانسان منذ عرف الكتابة فهو مليئ بالزيغ والبهتان والاراء والاهواء الشخصية ورغبات الحكام وما الى ذلك .

وكما فعلت سابقا سأبتعد عن التفاصيل الكثيرة واركز على المعلومات التي تصب في غايتنا من هذا الحديث وهي عرض الاراء حول أصل الانسان وتاريخ مسيرته الطويل بالنسبة لعمره والقصير جدا بالنسبة لعمر الارض . تقسم العصور الجيولوجية عادة الى فترات تطول أو تقصر أعتمادا على ظهور وأختفاء مجموعات معينة من الاحياء . وقد جرت العادة في الكتب العلمية ان يتم جدولة هذه العصور ابتداءا من العصر الحديث ثم التوغل التدريجي نحو الماضي السحيق الا انني سأعرض الامر معكوسا وأبتدأ من الماضي وذلك لانني تحدثت في المقالات السابقة عن التاريخ المحتمل لنشأة الحياة على الارض قبل نحو 3,5 مليار سنة . وسيلاحظ القارئ بعض الغرابة في المسميات التي أطلقها العلماء على العصور الجيولوجية الا انها في الواقع اما تشير الى أسماء أماكن محددة من الارض أو مدلولات أحيائية بأصطلاحات أغريقية . ولكي تكون المعلومات مبسطة للقارئ غير المتخصص فأني سأنأى عن التقسيمات الفرعية الكثيرة المربكة للكثيرين.

Archaea -1. الحقبة القديمة ( 3,8 - 2,5 مليار سنة خلت )

لو أتيح لانسان ان يعود بالزمن الى الوراء ليصل الى هذه الحقبة السحيقة في الزمن فأنه دون شك لن يعرف ان هذا الكوكب هو الارض التي عاش عليها ، فالجو غير الجو الحالي الذي نتنفسه اليوم بل كان مليئا بالميثان والامونيا وثاني اكسيد الكربون وغازات سامة أخرى ، لكن في هذه الحقبة الطويلة بالذات بدأت اولى الخلايا الحية بالتكون والتي مر ذكرها في المقالة السابقة وهي الستروماتولايت أو خلايا البكتريا القرمزية التي استثمرت غاز ثاني اكسيد الكربون والماء لصنع كافة احتياجاتها الحياتية ( عملية البناء الضوئي ) . عثر على ستروماتولايت هذه الحقبة في سواحل جنوب افريقيا وغرب أستراليا . وفي أواخر هذه الحقبة بدأت السيادة المطلقة للستروماتولايت بالتناقص التدريجي حتى أنقراضها لاحقا قبل نحو 450 مليون سنة .

Proterozoic-2 حقبة الحياة المبكرة ( 2,5 - 543 مليون سنة خلت )

أهم مايميز هذه الفترة هو ظهور الاكسجين في الجو كناتج لعملياء البناء الضوئي لخلايا الستروماتولايت والذي كان عاملا حاسما في نشوء بعض الاحياء الاخرى مثل الطحالب حقيقية النواة والتي عثر على متحجراتها ( أحافيرها ) في الصخور القديمة. في المئة مليون سنة الاخيرة من هذه الحقبة ظهر أول دليل على حيوان وهذا يعني ان اول مليارين من السنين من عمر الارض لم يكن للحيوان فيها أي وجود. هذه الحقبة والحقبة التي سبقتها تكون اربعة أخماس عمر الارض ويقسمها العلماء الى مراحل فرعية لا أرى أية جدوى من الخوض فيها.

Paleozoic- 3 عصر باليوزيك ( 543 – 248 مليون سنة خلت )

يتمير هذا العصر بحدثين مهمين في تاريخ الحياة على الارض أولهما الانفجار الهائل في تنوع وتشعب الحيوانات والنباتات والتي ظهرت خلال الملايين الاولى من السنين لهذه الحقبة والحدث الاخر هو الانقراض الجماعي المذهل الذي حدث في نهايتها والذي أزال 90 % من مجموعة الاحياء البحرية . ونظرا لاهمية هذه الحقبة وكثرة التفاصيل المتوفرة عنها فقد قسمها العلماء الى ستتة فترات متعاقبة مختلفة سنأتي على ذكرها لخصوصيتها.

أ. العصر الكمبري Cambrian ( 543 – 490 مليون سنة خلت )

تعود تسمية هذه الفترة بالكمبرية نسبة الى مكان في مقاطعة ويلز (بريطانيا) حيث عثر على أولى أحافيرها هناك . وقد دلت المتحجرات في صخور هذا العصر الى ظهور كثيف لمجموعة من الحيوانات ، ونظرا لقصر الفترة النسبية لهذا الظهور والتي لا تتعدى بضعة ملايين من السنين فقد سمي هذا الحدث بالانفجار الكمبري ، مثلما نستعمل اليوم أصطلاح الانفجار السكاني.والحقيقة فأن معظم شعب الحيوانات المعروفة اليوم قد ظهرت أسلافها في هذه الفترة ولهذا ولدقة المعلومات المتوفرة عنها تقسم الى فترات مختلفة أيضا تبعا لظهور تلك الحيوانات لكن الخوض فيها ليس مفيدا لنا حاليا.

ب. العصر الاوردوفيشى Ordovician ( 490 – 443 مليون سنة خلت )

مايميز هذه الحقبة الزمنية جيويلوجيا هو موقع القارات أو اليابسة التي لم تكن بعد على الشكل الذي نعرفه اليوم ، فقد كانت كل اليابسة جنوب خط الاستواء وهذا يعني ان نصف الكرة الارضية الشمالي كان محيطا . مجموعة القارات المرصوصة هذه سميت جونداناوا وكان معضمها مغمورا تحت سطح البحر . لم تكن الحياة على اليابسة قد ظهرت بعد لكن الاحياء البحرية شهدت تنوعا واضحا وكان معظمها من اللافقريات اضافة الى بعض الفقريات البحرية المنقرضة حاليا وأنواع من الاسماك الاولية كما ظهرت أيضا أنواع من الطحالب الحمراء و الخضراء وأولى بوادر تكون الشعب المرجانية . أمتاز مناخ الارض في هذه الحقبة بالدفئ وارتفاع الرطوبة ولكن في أواخرها كانت اليابسة وصلت الى القطب الجنوبي مما ساعد على تشكل الكتل الجليدية على القارات والتي صاحبها هبوط في مستوى سطح البحر . يعتقد العلماء ان هذا التغير الدراماتيكي في المناخ والوضع الجيولوجي الجديد للارض في اواخر العصر الاوردوفيشي هو المسؤول عن انقراض نحو 60 % من الاحياء البحرية في هذه الحقبة وحدها.

ج. العصر السيلوري Silurian ( 443 – 417 مليون سنة خلت )

هذه التسمية تعود ايضا الى اسم مكان في مقاطعة ويلز . شهدت الارض هنا تغيرا جذريا جديدا انعكس على الحياة بوضوح فقد تحسن المناخ كثيرا وصار معتدلا ودافئا مما أدى الى ذوبان قسم كبير من الكتل الجليدية الذي نتج عنه ارتفاع في مستوى سطح البحر . ساعد هذا الدفئ على ظهور كبير للشعب المرجانية ( الشعب المرجانية حتى يومنا هذا لاتعيش في المناطق الباردة ) وأيضا شهدت الاسماك تطورا واضحا في تنوعها ومنها ظهور أول انواع الاسماك النهرية والاسماك البحرية ذات الفكوك كما ظهرت لاول مرة على الارض اليابسة أسلاف العناكب وأنواع اولية من النباتات الارضية .

د. العصر الديفوني Devonian ( 417 – 354 مليون سنة خلت )

تمتاز هذه الحقبة الزمنية بظهور الخطوط الاولى لتطور النباتات الارضية كما تشير أحافيرها التي عثر عليها في اسكتلندا ( ومن هنا التسمية ) التي أظهرت المتحجرات في صخورها بزوغ أول نبات وعائي ( النباتات الوعائية هي التي لها شبكة من الاوعية لنقل الماء والاملاح وغيرها من المواد بين أجزائها ) . لكن هذه النباتات كانت قصيرة لا يتعدى ارتفاعها مترا واحدا . ومع نهايات هذا العصر بدأت النباتات البذرية بالظهور مكونة اولى الغابات على سطح الارض . أما ما يخص الحيوانات فقد ظهرت اولى الفقريات الارضية ذات الاطراف الاربع أضافة الى الحشرات عديمة الاجنحة . في البحار ظهرت أنواع جديدة من الاسماك والمرجان واللافقريات . أما فيما يتعلق بالكتل اليابسة من الارض فقد بدأت بالتميز الى ثلاثة قارات ضخمة لكنها لاتزال متقاربة وهي أمريكا الشمالية واوروبا التي زحفت على جانبي خط الاستواء مع بقاء معظمها مغمورا تحت سطح المحيط ، ومجموعة امريكا الجنوبية وأفريقيا واستراليا والهند والقارة القطبية الجنوبية .

ه. العصر الكاربوني Carboniferous ( 354 – 290 مليمن سنة خات )

تعود تسمية هذه الحقبة الزمنية بالكربونية نظرا لبداية تكون الصخور الكاربونية المنتشرة كثيرا في انكلترا والتي عثر على كثير مثلها في امريكا الشمالية لاحقا . ورغم تميز هذا العصر بالظروف المثالية لتكون الفحم ، الا ان تغيرات جيولوجية ومنا خية وحياتية طبعت آثارها بوضوح . ولعل أهم حدث حياتى نوعي بارز في هذه الفترة هو تطور البيوض ، فالحيوانات الارضية التي عاشت قبل هذا التاريخ كانت تلجأ للماء لوضع البيض وذلك لعدم تمكن بيوضها من مقاومة الجفاف أي الظروف خارج الماء . هذا التطور النوعي في البيوض ( أصبح للبيوض غشاء سميك ) سمح للزواحف ذوات الاربع و أسلاف الطيور وأسلاف اللبائن ( لا تستغرب من ذكر اللبائن هنا لان أسلافها كانت بيوضة ) سمح لها بوضع بيوضها على اليابسة مما ساعد في تطور انواع جديدة لم تكن موجودة قبل هذا التاريخ .

و. العصر البرمي Permian ( 290 – 248 مليون سنة خلت )

تعود تسمية هذه الحقبة الى اسم مكان في روسيا . ان التطورات الضخمة التي شهدتها الحياة خلال هذه الفترة جعلتها شيئا بعيدا عن الماضي وأعني ان الحياة ذاتها لم تعد كما كانت قبل هذا العصر . هذه الاحداث شملت الحياة وجيلوجيا الارض . بالنسبة للاحياء فقد دهمتها موجة انقراض واسعة اتت على قسم كبير من الاحياء البحرية التي ازدهرت كثيرا ، وحتى مجاميع الحيوانات التي سلمت من الانقراض الجماعي فأنها لم تستطع بأي حال العودة الى السيادة الكبيرة المعهودة التي تتمتعت بها على الارض سابقا . أما الحدث البارز الاخر فهو ظهور اول الداينوصورات للمرة الاولى في تاريخ الارض . جيولوجيا ، زحفت كتل اليابسة نحو بعضها لتتلاصق في كتلة واحدة عملاقة أسماها العلماء قارة بانجيا والتي امتدت تقريبا بين قبي الارض الشمالي و الجنوبي ، أما المحيطات فقد صارت محيطا واحدا ضخما اطلق عليه أسم بانثالاسا وبحر واحد في الخاصرة الشرقية لبانجيا سمي بحر تثس .

في الجزء اللاحق سنتابع تعاقب العصور الجيولوجية والتي سيظهر الانسان القديم في أحدها .

snobserver@yahoo.com

أصل الأنسان .. منظور علمي - 3

كتابات - د.حامد علوان

بدء ظهور الحياة :

طالما ان بداية أي كائن حي هو خلية و ان هذه الخلية لاتستطيع الاستمرار دون ان تحتوي داخلها على جزيئة د ن أ ، وطالما ان جزيئة الدنا هذه ليست سوى مجموعة من المواد الكيميائية ( سكر

وفوسفات و قواعد نيتروجينية ) ، فقد صار هم العلماء اثبات ان الخليقة ابتدأت بجزيئة دنا في بدايات عمر الارض .

في عام 1953 لمعت في ذهن الكيميائي الامريكي ميلر فكرة محاكاة جو الارض البدائي والذي كان قبل 3,5 مليار سنة تقريبا أي بعد برودة الارض مشبعا بالمواد النيتروجينية و غاز ثاني اكسيد الكربون و بخار الماء مختلطة فيما بينها بما يشبه الحساء . أراد ميلر ان يرى ما اذا كان بالامكان تكون مواد عضوية ( حياتية ) من المواد غير العضوية المتوفرة وتحت الظروف القاسية التي كانت سائدة على الارض وذلك لاثبات الفرضية القائلة ان الحياة ابتدأت من خلية واحدة في تلك الظروف البدائية. وضع ميلر كميات من الميثان والامونيا والهيدروجين والماء وكلها مواد غير عضوية في جهاز مغلق ثم رفع درجة حرارة الخليط ليصبح دافئا ومرر فوقه قطبين كهربائيين لاحداث شحنات كهربائية تشبه شحنات البرق الذي يفترض انه كان شائع الحدوث في ذلك العهد القديم . بعد اسبوع واحد قام ميلر بتحليل ما تجمع من مواد داخل الجهاز فوجد ما أثار الدهشة ، فقد تكونت مجموعة من الاحماض الامينية وهي مكونات البروتينات . الاستنتاج الذي خرج به ميلر ان فرضية ولادة الحياة الاولى في مثل تلك الظروف واردة جدا ولايمكن استبعادها عمليا . وقد فتحت نتائج هذه التجربة بابا واسعا من التكهنات عن أصل الحياة اذ طالما ان المواد الاساسية الداخلة في تركيب الخلية يمكن توليدها في جو يشبه جو الارض القديم فما المانع ان تكون تكونت فعلا في ذلك الوقت البعيد . ولا بد من التنويه ان هذه التجربة اعيدت فيما بعد عشرات المرات من قبل باحثين آخرين وأعطت النتائج ذاتها .

وليست تجربة ميلر الوحيدة التي اعتمدت نتائجها فقد اجريت تجارب مشابهه و بأستخدام مواد مختلفة فأعطت النتائج زخما أقوى لترسيخ نظرية النشوء البدائي . في عام 1961 قام باحث آخر هو جوان اورو باستخدام سيانيد الهيدروجين والامونيا وهما متوفران في الطبيعة في تجربة مماثلة لما قام به ميلر فكان ان حصل هذه المرة على كميات غير متوقعة من احد القواعد النيتروجينية المكونة لجزيئة الوراثة د ن أ الا وهو الادنين . وهذه الجزيئة ذات أهمية بالغة ليس لانها جزء من الدنا فحسب بل لانها تمثل مصدر الطاقة الرئيس لكل العمليات والتفاعلات الكيميائية الحياتية داخل الخلية ، فأي تفاعل كيمائي حياتي مهما كان كالتنفس أو البناء الضوئي او انتاج البروتينات او تكاثر ( انقسام ) الدنا يحتاج الى طاقة لتشغيله ومصدر هذه الطاقة واحد في الانسان او النبات او البكتريا وهو الادنين ثلاثي الفوسفات . ثم اعيدت التجارب لاحقا فأعطت نتائج مذهلة اذ ان أحماضا نووية ( شفرات الوراثة ) قد تشكلت .

أما المفاجأة الاكبر هذه المرة فقد جاءت من مكان آخر بعيد عن المختبرات ، لقد هبطت من السماء .

في الثامن والعشرين من أيلول عام 1969 ضرب مقاطعة ميرشستون في استراليا شهاب ضخم .

والشهب كما هو معروف تحترق أثناء دخولها جو الارض وتتحول الى كرة نار ولكن من بقايا ذلك الشهاب تمكن الباحثون من جمع مائة كيلوغرام من بقايا صخوره المتناثرة . أما العجب فأنهم اكتشفوا ان هذه الصخور تحوي بين طياتها 90 حامضا أمينيا ( تتكون البروتينات من 20 حامضا أمينيا لاغير) ، 19 من تلك الاحماض موجودة في بروتينات الاحياء على الارض . هذا الاكتشاف أعطى دفعة قوية أخرى لانصار نظرية النشوء والتطور ، فاذا كانت تلك الاحماض الامينية قادرة على تحمل الظروف القاسية على أسطح النيازك فما المانع انها تحملت الظروف القاسية جدا والتي كانت سائدة على سطح الارض قبل مليارات السنين .

بأمكاننا الافتراض الان انه طالما كان جو الارض خاليا من الاكسجين في تلك الحقب البعيدة فلا بد ان الخلايا التي تكونت لم تكن بحاجة له في نشاطها الحيوي ولا بد انها استخدمت ثاني اكسيد الكربون والماء في التفاعلات الضرورية لانتاج الكربوهيدرات والدهون والبروتينات . وهذه التفاعلات بحاجة الى طاقة لكن تلك الطاقة كلنت موجودة وهي ضوء الشمس . فهل كان ذلك مستحيلا ، الجواب كلا لان مثل تلك الخلايا لاتزال موجودة في عالمنا الحاضر وهي الطحالب وحيدة الخلية ( نبات ) . هذه الخلايا كما الحال في كل الخلايا النباتية تقوم بما يعرف بعملية البناء الضوئي وذلك بأخذ ستة جزيئات من ثاني اكسيد الكربون وستة جزيئات ماء و بمساعدة ضوء الشمس تنتج جزيئة سكر واحدة ( جلوكوز ) وستة جزيئات اكسجين ومجموعة من جزيئات الادنين ثلاثي الفوسفات وتستمر التفاعلات فيما بعد لانتاج المواد الاخرى . انها بالضبط انتاج مواد عضوية من مواد غير عضوية . أما ما تحتاجه هذه الخلايا كي تستمر وتتكائر فهو جزيئة الدنا والتي تفترض النظريات انها تكونت اولا بالطريقة التي اوضحتها تجارب ميلر و من جاء بعده والتي يعتقد انها استغرقت ملا يين السنين .

والسؤال الان هو هل ان الطحالب التي نراها اليوم هي نفسها التي تكونت في تلك الحقبة من عمر الارض ، الجواب لا ، انها انواع أخرى ولكنها انقرضت . أما كيف عرفنا بوجودها فالامر سهل لان متحجراتها تملا المعمورة ولا تحتاج الى نبش وتقليب في الارض للعثور عليها لانها تنتشر على سواحل المحيطات . تلك المتحجرات تعرف اليوم بأسم ستروماتولايت ، أقدمها يصل عمره الى 3,5 مليار سنة وهي مكونة من مستعمرات هائلة العدد من خلايا الطحالب الخضر المزرقة ( تعرف اليوم بأسم البكتريا القرمزية ) والتي لها قابلية البناء الضوئي لكن خلاياها عديمة النواة . سادت هذه الخلايا الاولية على الارض لفترة تقدر بملياري سنة وهي الفترة بين أقدمها وآخرها قبل انقراضها . كما ان هذه الخلايا هي المسؤولة عن اضافة الاكسجين الى جو الارض ( ناتج من عملية البناء الضوئي ) والذي مهد لاحقا لظهور الاحياء الاخرى .

وقبل الاسترسال في الحديث لابد من الاشارة الى نقطة هامة وجوهرية في الموضوع وهي ان نظرية التطور شيئ ونظرية نشوء الحياة شيئ آخر . نظرية التطور ومنذ بدايتها تناقش الاختلافات التي طرات على الكائنات الحية لتلائم الاختلافات الكبيرة في بيئتها بما يصاحب ذلك من تغير في الشكل أو الوظائف أو انقراض البعض وأستمرار البعض ولكن بأنواع جديدة أكثر ملائمة للبيئة . ونظرا للتطورات الضخمة والسريعة التي حدثت في العلوم الحياتية في القرن العشرين فقد استحدثت تفسيرات جديدة لنظرية التطور وكيفية حدوثه وذلك بعد اكتشاف الجزيئات الوراثية ( د ن أ ) والتي لم يكن دارون قد عرف عنها شيئا . أكتشاف هذه الجزيئات ووظائفها عنى بشكل أو بآخر ان تطور اي كائن حي لابد ان ينتج عن تغير في التركيبة الجينية ( طفرة وراثية ) التي تعطي صفات أحسن وأمثل للكائن الحي ، فأن لم تكن الجينات قادرة على احداث مثل هذه الطفرات فأن الكائن سيؤول مصيره للانقراض ( اذا استبعدنا دور الانسان الوحشي اليوم بقتل الاحياء حتى الانقراض ) . مثل تلك التغييرات تستغرق ملايين السنين طبعا . أما نظرية نشوء الحياة فهي شيئ مغاير اذ تناقش الكيفية التي يمكمن ان تكون الحياة ظهرت بها على الارض . وقد أحببت ان اشير بكثير من الاختصار الى هذه النظرية حتى يمكن لاحقا فهم نظرية التطور بشكل أفضل . وقبل الدخول في عرض الاراء حول أصل الانسان وعمره على كوكبنا والذي لايساوي أكثر من طرفة عين اذا قسناه بعمر الارض ، لابد من المرور ولو سريعا على تاريخ الاحياء التي سبقتنا والتي حسب نظرية التطور شكلت الاسلاف التي جئنا منها وهذا ما سأتناوله في الحلقة القادمة .

snobserver@yahoo.com

أصل الأنسان ..منظور علمي - 2

نشوء الارض :
رغم ان موضوعنا الاساسي هو البحث في ظهور الانسان على كوكب الارض الا اننا لانتمكن من فهم مراحل ظهور الانسان من دون التعرف على بعض المفاهيم الاساسية الاخرى ذات الصلة كالنشأة الاولى للارض ثم بعد ذلك تدرج ظهور الاحياء عليها وصولا للانسان وهو آخر المخلوقات كما يظهره لنا السجل الجيولوجي والاحافيري . وكما أسلفت في المقدمة فاني سأحاوا تجنب التفاصيل التي قد يملها القارئ وحتى لا ابتعد كثيرا عن صلب الموضوع فسأكتفي بالقدر الذي يوضح الهدف الذي اريد الوصول اليه.
لم يتوقف عقل الانسان يوما واحدا عن التفكير في هذه الاض وكيف نشأت وما عمرها . وقد رأينا سابقا كيف ان الاسقف الايرندي أوشر حسب عمر الارض ببضعة آلاف من السنين قبل المسيح . غير ان التقدير الصحيح لعمر الارض لم يكن متاحا قبل اكتشاف التقنيات الحديثة بتقدير أعمار الصخور والتي تستخدم فيها النظائر المشعة . تحتوي كل صخور الارض على تلك النظائر والتي بقيت محفوظة فيها أو ما تبقى منها وهو المهم على مر الزمن . وقد أسفر المسح شبه الشامل لصخور مختلفة من كل أصقاع الارض على ان عمر أقدم صخرة يساوي 4,55 مليار سنة بما يعني ان الارض لابد ان تكون تكونت في مثل هذا الوقت ( يمثل هذا الرقم ثلث عمر الكون ككل حسب التقديرات الحديثة والمعلومات المستقاة من النجوم والمجرات ) . لكن الوضع على الارض لم يكن بالشكل الذي نعرفه اليوم .

 يعتقد العلماء ان الارض كانت ملتهبة ومائعة ( صخور سائلة ) كما هو عليه الحال في الحمم البركانية التي نراها اليوم ، وكان جوها مشحونا بكميات من ثاني اكسي الكربون و الامونيا و الميثان وبخار الماء أما الاوكسجين فلم يكن بعد موجودا ( يكون الاوكسجين اليوم 21% من جو الارض ) . ومع مرور الوقت الذي يقدر بين 700000 الى مليار سنة بدأت الارض تبرد ببطئ مما سمح لبخار الماء بالتكثف ليسقط امطارا ملئت الاماكن المنخفضة فتشكلت المحيطات التي كانت لاتزال ضحلة . يعني هذا ان تلك الحقبة من عمر الارض كانت خالية من أي شكل من أشكال الحياة ولا عجب فما من كائن حي بمقدوره العيش في مثل تلك الظروف.

بدء نشوء الحياة :
لكي يتسنى لنا ادراك فكرة الظهور الاول للحياة على الارض والتي ستكون قد نشأت حتما من مواد غير عضوية ( لا حياتية ) وهي المواد التي كانت سائدة على الارض بعد برودتها ، لابد لنا من الاطلاع على المعلومات الاساسية المتعلقة بأ صغر وأهم جزيئات الحياة وأعني بذلك الاحماض النووية أو جزيئة الدنا ( د ن أ ) على وجه الخصوص ،
وهي المادة الوراثية لكل الاحياء .
جزيئة الدنا موجودة في نواة كل خلية حية ومن هنا سميت بالاحماض النووية ، فأن لم تكن للخلية نواة كما هو الحال في خلايا البكتيريا فان الدنا ستكون في سيتوبلازم الخلية . تتكون كل واحدة من جزيئات الدنا من عدد ضخم جدا من وحدات متشابهة صغيرة تسمى نيوكليوتيدات وكل واحدة من هذه الوحدات تتألف من ثلاث مكونات ثابتة أيضا هي جزيئة سكر ( ديوكسي رايبوز ) ومجموعة فوسفات وقاعدة نيتروجينية . والقواعد النيتروجينية لها أربعة أنواع أيضا هي الأدنين و الثايمين و الجلايسين و السيتوسين ( ايراد هذه التسميات مهم في حديثنا حتى يتذكرها القارئ لا حقا ، أنظر الصورة المرفقة لجزيئة الدنا في آخر المقالة ) .
وجزيئة الدنا شريطية الشكل أي انها شريط أو جديلة طويلة جدا حلزونية المظهر مكونة من ملايين النيوكليوتيدات ( لو فتحنا جزيئات الدنا في جسم الانسان مثلا ووصلناها مع بعضها لدارت حول الكرة الارضية عدة مرات ) . وجديلة الدنا ليست مفردة بل هي مزدوجة أي مكونة من جديلتين متماثلتين متصلتين من أحد الجانبين على طوليهما بحيث ان كل وحدة أدنين تقابلها وتتصل بها وحدة ثايمين و كل وحدة جلايسين تقابلها وحدة سايتوسين ( القواعد النيتروجينية ) وهكذا تكرارا . كل بضعة آلاف من هذه الوحدات المتكررة تكوّن جينا واحدا ، فالجينات اذن تكرارات معينة للنيوكليوتيدات . تختلف الجينات فيما بينها بأختلاف تكرار القواعد النيتروجينية ، تماما كما في اللغة فليس عندنا في العربية غير 28 حرفا ولكن هناك الالاف من الكلمات ، السر يكمن في أختلاف وضع الحروف داخل الكلمات . الجين اذن هو موقع محدد على جزيئة الدنا وله تكرار ثابت من القواعد النيتروجينية تميزه عن غيره من الجينات . وللفائدة نذكر ان المادة الجينية اي الوراثية للانسان تتكون من 3,3 مليار زوج من القواعد النيتروجينية وهذا يعادل بلغة الحاسوب 825 ميجابات من المعاومات وهو رقم مذهل .
الدنا كما لاحظنا مجموعة من الجينات والجينات شفرات وراثية وهي من أعجب الغاز الطبيعة . ينتقل الجين من الاب أو الام ( أو كليهما في الواقع في الاحياء ثنائية الجنس ) حاملا معه صفات معينة كصفة لون البشرة مثلا ، ولكن هل ان لون البشرة مكتوب على الجين ليظهر في النسل . الجين شفرة والشفرة لابد لها ان تفسر كي تكون مفهومة ومفيدة ، وهذه العملية بالذات أي فك شفرة الجين لهي في غاية التعقيد ولكنها في غاية الدقة أيضا ويدخل فيها فريق كبير من الانزيمات التي تنفذها وتسيطر عليها . ملخص الحكاية ان الجين هو شفرة محددة لصناعة أو انتاج نوع محدد من البروتينات وهي وحدات البناء الاساسية لآي كائن حي ( الانزيمات أيضا برويينات) . عند الحاجة لصناعة بروتين معين داخل الخلية أو عند نمو الاجنة مثلا يقوم الدنا بنسخ الجين المطلوب اي تكوين نسحة جديدة منفصلة لذلك الجين و هذه النسخة هي حامض نووي أيضا يسمى الرنا ( ر ن أ ) وهناك عدة أنواع منها ولكن ما يحمل شفرة البروتين يسمى الرنا الرسول لانه رسول من الدنا الى مصنع البروتينات في الخلية والمسمى رايبوسوم . يغادر الرنا الرسول نواة الخلية متجها الى الرايبوسوم حيث يتم تفكيك الشفرة لانتاج البروتين المطلوب . هذه الشفرة في الحقيقة هي رموز تشير الى مكونات جزيئة البروتين الا وهي الاحماض الامينية . فكما ان الجينات ( دنا ) تتكون من وحدات ثابتة متككررة هي النيوكليوتيدات فأن البروتينات تتكون من عدد ضخم مكرر من الاحماض الامينية العشرين والتي تترتب وراء بعضها بنسق ثابت ومحدد وهذا النسق في الترتيب هو الذي يميز البروتينات عن بعضها ، فالجين هنا يحمل شفرة لنسق محدد من الاحماض الامينية . وهذه الاحماض الامينية والقواعد النيتروجينية ستكون الحجر الاساس في بزوغ الحياة على الارض كما سيرد ايضاحه .
لايخفى عليكم فان الجنين يستلم نسختين من جديلة الدنا ( في التكاثر الجنسي ) ، نسخة من الاب ( أو الذكر والانثى في النبات ) و نسخة من الام . نحن نسمي هذه الجدائل كروموسومات لانها أثناء الانقسام الخلوي تلتف على نفسها بشكل كثيف مكونة أشرطة قصيرة وسميكة هي الكروموسومات .
في خلايا الانسان ( عدا الحيامن والبيوض ) يوجد 46 كروموسوما وفي الكلاب 78 وفي الحصان 64 وقد يصل العدد الى مئات في بعض الاحياء . ولا بد من الاشارة هنا ان التركيب الكيميائي لجزيئة الدنا واحد لا غير في كل الاحياء كبرت أو صغرت ، نباتية أو حيوانية . وهذا التطابق في التركيب جعل بالامكان زراعة جين مأخود من انسان مثلا في دنا حيوان آخر أو حتى في خلية بكتيريا بعد تعديل بسيط . وهذا التشابه التام في الوحدات الوراثية ( لم تكن بعد معروفة أيام دارون ) هو واحد من الركائز التي يبني عايها مناصروا نظرية التطور حججهم على اعتبار ان هذا التماثل الدقيق يشير الى ان أصل الحياة كان واحدا قبل ان تتشعب وتتفرق . وللزيادة في المعلومات فأن صناعة الجينات في المختبر أصبحت ميسورة في وقتنا الراهن ولم لا طالما انها مكونة من مجموعة من مكونات كيميائية معروفة والحقيقة يستطيع أي باحث أن يصنع ملايين النسخ من جين معين خلال ساعة كما يمكن دمجها داخل خلايا البكتيريا او الخمائر لانتاج بروتينات معينة لاغراض تجارية أو علمية.
في الموضوع القادم سنتطرق الى الكيفية التي ظهرت بها الحياة على الارض من وجهة نظر علماء البيولوجيا واستنادا الى المعلومات التي 
مر ذكرها والتي تم كشفها عن البروتينات والاحماض النووية 

أصل الأنسان .. منظور علمي - 1

كتابات - د.حامد علوان
توطئة :
ما قادني إلى البدء بالكتابة في هذا الموضوع الشائك والعويص والذي سيكون في مجموعة من المقالات هو الكتاب الذي ينشره الدكتور كامل النجار في حلقات متتابعة في هذا الموقع والمعنون
"تـأملات في القرآن" والذي أبرز في مقدمته نظرته في أصل الأديان والخلق وما إلى ذلك. ولا أريد هنا أن أدخل في الموضوع ذاته فذلك ليس من تخصصي ولكني وجدت من المفيد أن ألج في موضوع آخر ذي صلة وأطلع القارئ على النظريات السائدة حاليا حول أصل الإنسان ونشأته على الأرض وذلك من مفهوم علمي بحت بعيد عن المداخلات والمفاهيم الدينية المعروفة. وكما هو معلوم فأن الدين ( نظرية الخلق أو التكوين) والعلم ( نظرية التطور ) لا يتفقان أبدا في هذا الأمر، وبينما نرى علماء الدين يستندون إلى نصوص من كتب سماوية، ينبش علماء الأحياء والطبيعة الأرض بحثا عن أدلة مادية تثبت ادعاءاتهم بالتطور المادي والتدريجي للأحياء كافة يضمنها الإنسان، وفيما تخبرنا الكتب السماوية إن عمر الإنسان على الأرض لا يتعدى بأي حال من الأحوال عشرة آلاف سنة وذلك من تتبع أنساب الأنبياء وصولا إلى آدم وهو أول البشر، نرى أن متحجرات عظام الإنسان التي عثر عليها في أماكن متفرقة من الأرض يزيد عمرها عن مليوني سنة! . ولا يمكن الشك بأية حال في التقنيات المتبعة لتقدير أعمار الأحافير والتي تستخدم فيها النظائر المشعة فهي دقيقة ولا تحتمل نسبة عالية من الخطأ. وفي الحقيقة لا يستطيع الإنسان أن يكون متوسطا في قناعاته بهذا الأمر فأما أن يكون مؤمنا بالله وان الله خلق الإنسان والحيوان والشجر والجماد كما هي أو ان يكون مقتنعا بالتطور التدريجي للأحياء وعندها لن يكون مؤمنا بالخلق. ولا يخفى ان المتحمسين لنظرية التطور يأتونك بالادلة المادية المحسوسة على افتراضاتهم بينما لا يملك علماء الدين غير الأدلة الروحية والمعنوية التي يجب ان تصدقها في قلبك أولا ثم في عقلك.
ولا أدعي لنفسي هنا رأيا محددا في المواضيع التي سأطرحها بقدر رغبتي في تعريف العديد من القراء الذين لم يتسن لهم الإطلاع تفصيليا على حيثيات نظرية التطور وسأحاول عرضها بأسلوب ميسر مبتعدا عن التعقيدات والمصطلحات الصعبة التي تربك القارئ غير المتخصص. وفي النهاية هذا مجرد استعراض آراء للقارئ تصديقه او نفيه حسب قناعته انما غرضي عرض الأدلة العلمية التي عثر عليها العلماء والباحثون في الاحافير منذ عشرات العقود من السنين والتي بنوا عليها استنتاجاتهم وأسسوا نظرياتهم. ومعلوم ان عمر نظرية التطور كما نعرفها يربو على مائتي عام لكنها حتى اليوم عرضة للنقاش والجدل والطعن شأنها شأن اية نظرية محتمله بضمنها نظرية التكوين أو الخلق.
فذلكة تاريخية:
تشالز دارون 

صار بديهيا أن يتبادر الى الأذهان أسم العالم الإنكليزي جارلس دارون كلما مرت علينا لفظة التطور الاحيائي كون دارون اول من صاغ هذه النظرية بأسلوب علمي رصين ونشرها في كتابه الموسوم " أصل الانواع ". ولكن الحقيقة ان عددا من العلماء فكر في هذه النظرية قبل دارون بوقت غير قصير. واذا اردنا تتبع تفكير الانسان بنشأة الاحياء فسنغوص بعيدا في التاريخ، ولعل أول ما يستوقفنا في هذا المجال آراء الفيلسوف والشاعر الاغريقي زينوفانس (570 – 480 ق.م) والذي كان الاول بين الرافضين للمعتقد السائد ان الآلهة خلقت الانسان على هيئتها ولهذا صوّر الانسان الآلهة ورسمها بأشكال بشرية. وقد تنبه هذا الرجل الى أحافير ومتحجرات القواقع وعظام الاسماك التي عثر عليها مدفونة أو محفورة في الصخر فتبادر الى ذهنه ان هذه المخلفات المتحجرة تمثل عالما من الحيوان والنبات انقرض منذ وقت طويل ثم خلق عالم جديد مكانه ، ولعل هذه الفكرة تمثل العتبة الاولى في سلم ما يعرف اليوم بنظرية الكارثة في الجيولوجيا وعلم الاحافير ، ولا مجال الآن للخوض في تفاصيلها ولكن ربما نعرض لها في مكان آخر.
وفي العصور الوسطى كان الناس في اوروبا يجمعون العظام المتحجرة التي كان اغلبها عظاما للفيلة المنقرضة التي نعرفها اليوم باسم الماموث والتي تعود الى العصر الجليدي الاخير الذي انتهى قبل قرابة العشرة آلاف سنه لكنه استمر لعشرات الالاف من السنين ، ظن الناس ان تلك العظام تعود لاقوام عمالقة منقرضين لهذا كان يتم عرضها في الكنائس والاماكن العامة لما كانت تثيره من فضول ودهشة . أما القساوسة والرهبان فكانت لهم أيضا آراؤهم في الخلق ونشأة الانسان ولعل أغرب ما جاء به انسان ما كتبه الاسقف الايرلندي المعروف جيمس أوشر بكل ثقة (1581-1656) من ان الله خلق الارض وما عليها سنة 4004 ق.م بالتحديد!! ، ويبدو ان الرجل رغم ذياع صيته في زمانه لم يسمع في حياته ولم يقرأ عن الاقوام والانبياء الذين عاشوا قبل ذلك التاريخ القريب . وينبغي الاشارة الى ان المفكرين الاغريق والرومان راودتهم بعض التصورات حول امكانية تغير الكائنات الحية مع مرور الزمن وبقي الانسان يتأمل في طبيعة ونشوء الاحياء قرون طويلة الا ان كل ذلك أصطدم أخيرا بتعنت الكنيسة الاوروبية الذي طغى فترة غير قصيرة ساد خلالها مفهوم ان الله خلق كل كائن حي على حدة بهيئته وشكله ولاعلاقة لكائن بآخر أي مفهوم الشكل غير المتحول للأحياء.
في العصور الوسطى أيضا سادت الفكرة الشائعة والمسماة بفكرة الخلق الآني والتي تنص على أن الكائنات الحية تستطيع الظهور آنيا من مواد غير عضوية. بنيت هذه الفكرة على مشاهدات عملية لكن تفسيراتها كانت خاطئة، على سبيل المثال ظهور الديدان سريعا على بقايا اللحوم المتعفنة فالديدان ليس موجودة أصلا في اللحم ولكنها ظهرت فجأة بعد موت الحيوان أو الإنسان. أما التفسير العلمي لهذه العملية فلم يأت الا بعد وقت غير قصير عندما تم اكتشاف ان تلك الديدان ماهي الا يرقات لبعض الحشرات التي تضع بيوضها على اللحم سريعا بعد موت الحيوان . مثل هذه الآراء اي الخلق الآني كانت تدعمها الكنيسة ومن يقول بغيرها يفقد عنقه .
(1724-1804) ايمانويل كانت

ولعل الفيلسوف الالماني كانت (1724-1804) كان من الاوائل في طرح بعض الافكار المختلفة عن مفاهيم الخلق الثابت والخلق الآني معتمدا على مشاهداته للتشابه والاختلاف بين الاحياء منوها ان هذه الاحياء ربما انحدرت من سلف واحد . وبتفكير لايختلف كثيرا عما ردده فيما بعد منظرو التطور اللاحقين قال كانت ان بعض أعضاء الاحياء ربما تكيفت أو تطورت الى شكل جديد مختلف يلائم حاجة معينة عند الحيوان نظرا لظهور ظروف جديدة.
ولابد ان الكثير من القراء قد عرف عن العالم السويدي الشهير لينيوس ( 1701-1829) فهو أشهر من نار على جبل لوضعه الاسس الراكزة لعلم تصنيف الاحياء والمستخدمة ليومنا هذا. كان لينيوس مؤمنا بأن الله خلق كل كائن حي كما هو منذ الازل ولا مجال لاي تغيير أو تبديل في صفاته لكن تجاربه في تضريب النبات وحصوله على أنواع جديدة هزت قناعاته بثبوت أشكال الاحياء لكنه في النهاية ومن باب ولاءه للكنيسة عزى ذلك لمقدرة الله .
(1744-1829) جان ـ بابتيست لامارك

لكن أول من أرسى مفاهيم تطور الكائنات الحية في عصره هو الفرنسي لامارك (1744-1829) الذي لم يأخذ أحد بكلامه ولم يصدق أي انسان افتراضاته ربما لعدم تمكنه من طرح أفكاره بالشكل المقبول فهزأ به معاصروه من المفكرين ومات فقيرا منزويا في داره . أعاد دارون فيما بعد الاعتبار الى لامارك وناقش أفكاره في موضوع التطور . رأى لامارك ان الاحياء ليست اشياءا ثابتة عبر الزمن وكان مؤمنا ان بعض الاعضاء تظهر أو تختفي تبعا للحاجة في استعمالها ( مفهوم الاهمال والاستعمال ، العضو الذي لايستعمل يضمر ) وان أي كائن حي لابد أن يكيف في جسمه أو وضائف أعضاءه ليتماشى مع البيئة المحيطة به ( البقاء للاصلح ) . ولعل ابرز ما جاء به لامارك أفكاره التي جلبت عليه الهزء من معاصريه والمتعلقة بوراثة الصفات المكتسبة ، أي ان الصفة التي يكتسبها كائن ما خلال حياته سيورثها الى نسله! .
ألفرد راسل والاس
ألفرد راسل والاس

نظرية التطور لم تنضج في واقع الامر الا في مخيلة أثنين من المفكرين هما الانكليزي جارلس دارون والامريكي الفريد والاس ، كلاهما فكر بالموضوع نفسه على انفراد الا أن دارون كان الاول في نشر كتابه أصل الانواع والذي شرح فيه أراءه في الانتخاب الطبيعي بالطريقة التي أقنعت الكثيرين وأهاجت الكثيرين عليه أيضا . و دارون مثال ممتاز للعالم المتأني الذي لايطلق أفكاره الا بعد تقليبها مئات المرات ومناقشتها مع معاصريه قبل الاتيان بنتيجة محددة ، والرجل لم يعلن عن نظرته في تطور ونشوء الاحياء التي نشرها في كتابه الشهير الا بعد تمحيصها وتدقيقها وجمع الادلة لها لمدة عشرين سنة . وفكرة التطور أو الانتخاب الطبيعي أختمرت في ذهن دارون بعد قراءته لكتاب نشره المفكر الاقتصادي المعروف توماس مالتوس (1766-1834) حول النمو السكاني . تنبه مالتوس الى ان الازدياد المضطرد وغير المحدود في أعداد البشر والذي تقابله الكميات المحدودة من الموارد الطبيعية سيؤدي بالنهاية الى المجاعة والهلاك ( أمر ندركه نحن اليوم بمنتهى الوضوح ) . التقط دارون هذه الفكرة ليبني عليها آراءه في الانتخاب الطبيعي والتي تتلخص في ان صراع الاحياء من أجل البقاء يحتم عليها أن تطور في أعضائها أو وضائفها بما يتماشى أو يتلائم مع البيئة الجديدة وان الطبيعة ستختار أو تنتخب الاقوى للبقاء ، وفي هذا الصراع فأن أحياءا ستندثر وأخرى ستستمر الا انها ستكون بهيئة أخرى أكثر ملائمة للطبيعة .
على أية حال تغيرت الكثير من المفاهيم الداروينية في وقتنا الحاضر خاصة بعد ظهور العلوم الجديدة مثل علم الاحياء الجزيئي والوراثة الجزيئية التي اوجدت تفسيرات جديدة لمفهوم التطور كما ظهرت ايضا النظرية المعروفة بالداروينية الجديدة . ومهما يكن فقد كانت أفكار دارون تمثل نقطة الانكسار في مفهوم نشوء وارتقاء الاحياء وهي من الافكار العلمية الثورية ان جاز التعبير لما أحدثته من تغيير جذري في مداركنا للطبيعة.
كان لابد لهذه المقدمة السريعة والموجزة أن تكتب قبل الخوض في موضوع نشأة الانسان كي نعرف كيف تسلسلت الافكار التي قادت أخيرا الى ارساء نظرية ارتقاء الاحياء. ولايمكن بأية حال أعطاء الموضوع حقه في عجالة مثل هذه وهو الذي كتبت فيه المئات من الكتب ونشرت الالاف من الابحاث والمقالات واقيمت له مئات المؤتمرات العلمية لمناقشته . ولابد لنا أيضا لمزيد من المعرفة ان نطلع على كييفة نشأة البيئة التي تطورت عليها الاحياء والانسان أي نشوء الارض وتكونها وتشكلها منذ مليارات السنين ثم ظهور أول الكائنات الحية عليها وهذا ما سأعرضه في الحلقة القادمة .