Tuesday, May 27, 2008

أصل الانسان .. منظور علمي - 6

كتابات - د.حامد علوان

قبل الاسترسال في اكمال موضوعنا عن أصل الانسان أود الاشارة الى العدد غير القليل من الرسائل التي وصلت بريدي الالكتروني . بعض تلك الرسائل جاء من مثقفين عراقيين أعتز كثيرا برسائلهم رأوا ان التطرق الى هذه المعلومات أمر شيق فيه اثراء للثقافة العامة في وقت امتلات به الصحف ومواقع الانترنت بالمقالات السياسية فلم يعد عند الفرد العراقي متسع ذهني أو رغبة للبحث عن مواضيع أخرى للقراءة كسابق عهده . أما المجموعة الاخرى من الرسائل فيبدو انها من أصحاب الموجة الجديدة في العراق ممن لايرون في الحياة غير الظلام والعودة للخلف فاتهموني بالكفر والالحاد والتخريب . وأعود بهؤلاء الى الجزء الاول من المقالات حيث قلت ان غرضي هو عرض المعلومات العلمية الدقيقة والموثوقة والتي بنيت على الادلة المادية لنشأة الحياة ككل وأصل الانسان كجزء خاص . لهؤلاء أقول اذا أغمضتم عيونكم حتى لاتروا الشمس فلا يعني هذا ان الشمس قد أفلت ، ان الحقيقة هناك شئنا أم ابينا .

بعض الرسائل تشكك في صحة المعلومات ويقول أصحابها ان ما يقال ما هو الا تحريف ، فهل يعتقد هؤلاء ان الملايين من المتحجرات وأحافير الحيوانات التي تملا المتاحف الطبيعية والمختبرات العلمية والطبيعة ذاتها أضافة لهياكل الديناصورات الكثيرة وأحافير اللبائن القديمة ، هل كل هذه صنعها أو اختلقها الكفار بأيديهم ليخربوا الدين ، أم هل يظنون كما قال أحدهم ان تلك العظام تعود الى زمن واحد ولا تفصلها عن بعضها ملايين السنين ولا هم يحزنون ، بمعنى ان العلماء يكذبون في شأن الاعمار والعصور الجيولوجية المختلفة . ان من السهل على أمثال هؤلاء ومنهم الكثيرون في كل العالم ان ينكروا صحة تلك المعلومات ولكن بالمقابل ليس في ايديهم اي دليل يثبت العكس سوى ما تقوله الكتب السماوية التي لاتتحدث الا عن بضعة الاف خلت من السنين .

ولكي اكون مقنعا للمتشككين ، وطالما سأتحدث لاحقا عن أعمار الكائنات شبه البشرية أو اسلاف الانسان البدائية التي عاشت قبل بضعة ملايين من السنين، أرى من الضروري اعطاء فكرة ولو موجزة عن تقنيات تقدير أعمار الاحافير ، وسأختار أيسر الطرق وأوضحها أي تلك التي نسميها ساعة الكربون. وكما هو معروف فأن الكاربون عنصر أساسي في الحياة وان اي مركب حياتي في أجسامنا هو بالحقيقة مركب كاربوني . يتوفر الكربون في الجو بأشكال عدة أحدها يعرف بالكربون 14 المشع ( أثقل من الهيدروجين بـ 14 مرة ) أو ما يعرف كيمائيا بأسم النظير كربون 14 . هذا الكربون ليس عنصرا طبيعيا ولكنه يتكون في طبقات الجو العليا بفعل الاشعة الكونية غير انه وبعد تشكله يدخل في تركيب غاز ثاني اوكسيد الكربون . عندما ياخذ النبات هذا الغاز أثناء عملية البناء الضوئي فأن الكربون سيتحول الى سكر (جلوكوز) ومن ثم الى مركبات عضوية أخرى في النبات أي ان الكربون 14 سيدخل في العديد من المركبات الكيمائية في جسم النبات. وعندما يتغذى الانسان مثلا على النباتات فان ذلك الكربون سينتقل الى جسمه ويدخل في التفاعلات الكيمائية المختلفة ومنها بناء العظام والاسنان فيستقر فيها دون تغيير حتى موت الانسان والحال ذاته بالنسبة للحيوانات وكذلك النباتات حيث يستقر في الجذوع أو اغلفة الثمار وهكذا . وبما ان هذا الكربون يشع طاقة مستمرة (أي يتحلل ) شأنه شأن أي نظير مشع آخر ، فهذا يعني أنه يفقد طاقتة وبالتالي لابد ان يأتي يوم تنفذ فيه هذه الطاقة بالكامل فيتحول الكربون الى شكل آخر ، ولكن فقدان الطاقة هذا أمر تدريجي وبطيئ جدا بحيث ان الكربون 14 يفقد نصف طاقته بعد 5730 سنة ، وهذا مانسميه نصف العمر . وبما اننا نعرف مقدار الطاقة التي يشعها الكربون في الجو والتي ستكون ذاتها تماما عندما يدخل في تركيب عظمة أو جذع شجرة أو حتى صخرة ، فأننا بالتأكيد سنعرف عمر هذا العظم فيما بعد بقياس مقدار ما يشعه الكربون أو بالاحرى بقياس ما تبقى من طاقته ، فأن وجدنا مثلا ان الكربون فقد نصف هذه الطاقه فسيكون عمر العظمة 5730 سنة وأذا وجدنا انه فقد ثلاثة أرباع طاقته سيكون عمر العظمة 11460 سنة وهكذا . غير ان للكربون نصف عمر قصير كما لاحظنا وبالتالي فهو لايصلح لتقدير الاعمار الطويلة لهذا يلجا الباحثون الى استخدام نظائر مشعة أخرى موجودة في الطبيعة مثل مزدوج البوتاسيوم – أرجون الذي له نصف عمر يمتد لملايين السنين .

أما للقارئ الذي كتب لي يقول هازئا هل أخبرك أبوك ان البحر كان يغطي الارض قبل مئة مليون سنة فأقول لو انك نبشت الارض في مكان ما يبعد عن البحر مئات الكيلومترات ووجدت في صخوره أحافير لقواقع بحرية وأصدافا مختلفة فهل يعني لك ذلك ان هذه الحيوانات خرجت ذات يوم من البحر لتتنزه فظلت طريقها وابتعدت حتى قتلها الظمأ ، أم ان المنطق يقوال ان هذه الاصداف هنا منذ ملايين السنين لان البحر كان هنا وعندما ماتت تلك الاحياء ترسبت في القاع فلما انحسر الماء بقيت مطمورة في الصخور . ان الجهل يعمي البصر والبصيرة! .

أعود لكم لاحقا لاكمال الموضوع وأعتذر ان شطّ بي الحديث بعيدا عن مقصدنا الاساسي وهو أصل الانسان .

snobserver@yahoo.com

No comments: