Tuesday, May 27, 2008

أصل الانسان .. منظور علمي- 7

كتابات - د.حامد علوان

لم يتوقف الانسان الحديث في يوم عن سؤال نفسه من أين جئت الى هذا العالم وكيف ؟ وللاجابة على تساؤلاته سلك كل مسلك ممكن لايجاد الحقيقة التي تكشف الغموض . ومع تطور العلم صار حل الكثير من الغاز الحياة ميسورا فوصل الانسان الى قدر كبير من المعرفة في هذا الشأن . وكما نرى فأن نظرية التطور بدأت كأفكار فلسفية لتفسير التنوع الهائل في الكائنات الحية لكنها اليوم أصبحت واقعا تدعمه الادلة والبراهين المادية التي تقطع الشك باليقين لعل من أهمها أكتشاف التركيبة الوراثية للاحياء ( الجينوم ) والتي ظهر انها تتشابه تشابها عجيبا بين مختلف الاحياء ، فتركيبتها الكيميائية (كما مر شرحه) واحدة لاتتغير في أي خلية كانت كما ان التشابه في التركيبة الجينية يقود للاعتقاد ان الاحياء ذات صلة ببعضها ، ليس في الزمن الحاضر ولكن قبل الملايين من السنين وهذا ما تثبته الاحافير

المختلفة . الانسان مثلا له جينوم يشبه جينوم الشمبانزي بنسبة 98 % ويشبه جينوم خلية الخميرة بنسبة 70 % وهكذا . ومن المعلومات التي تراكمت من ما يعرف بمشروع الجينوم البشري الشهير ( تخطيط الشفرة الوراثية البشرية ) ومن المعلومات المستقاة من أحياء مختلفة أخرى يستطيع العلماء أن يقولوا لك التالي :

- انسان اليوم انحدر من كائن بشري عاش قبل 270000 سنة .

- الانسان وقرود العالم الحاضر لهما سلف واحد مشترك عاش قبل 7 ملايين سنة .

- الانسان والفأر كان لهما سلف مشترك قبل 50 مليون سنة .

- كل الحياة على الارض ابتدأت قبل 3,5 مليار سنة .

ولكن كيف بدأت القصة ، أي قصة تطور الانسان التي استحوذت على تفكير الباحثين بعد ان كانت مجرد نظرية القى بها دارون كالقنبلة في الوسط العلمي . بدأت الحكاية عام 1856 عندما عثر بعض العمال في منطقة نياندرتال في المانيا على جمجة بشرية غريبة المظهر لاتشبه ما رآه الناس من قبل فأوحى ذلك الى من عاينها ان يرجع غرابة شكلها الى سبب عجيب وهو ان صاحب تلك الجمجمة كان مصابا بالكساح . لم يدر في خلد احد آنئذ انها ربما تعود لانسان قديم لان ذلك سيعد خبلا.

ولكن بعد دراستها من قبل مختصين برز اعتقاد مفاده انها تعود لانسان نصفه قرد ونصفه بشر مما حدا بالباحث الالماني أرنست هنريخ ان يطلق عليه أسم :

Pithecanthropus erectus

والتي تعني شبيه القرد المنتصب (القائم) ، الا ان هذه التسمية تغيرت فيما بعد الى أنسان نياندرتال والذي سيأتي التعريف به لاحقا . أثار هذا الاكتشاف على أية حال حماس العلماء في ذلك الوقت فدفقوا يبحثون في أرجاء الارض للعثور على بقايا مماثلة فأفلحت جهود طبيب هولندي أسمه يوجين دوبويس بأيجاد جمجة قريبة الشبه بجماجم القرود العليا ، كان ذلك على ضفاف أحد الانهار في اندونيسيا ، ولكن الذي أثار الفضول هو العثور على عضمة بشرية بالقرب من الجمجمة ، الامر الذي رسخ الاعتقاد بوجود كائن وسط بين القرد والانسان . ثم توالت اكتشافات الجماجم والعظام . في العرض التالي سأصف الاجناس التي تطور عنها الانسان وسأذكرها بأسمها العلمي المكون من مقطعين أسم الجنس وأسم النوع للتأكيد على انها ليست جنسا واحدا بل عدة أجناس تعود لها انواع مختلفة كلها يطلق عليها أسم القرود الاولية والتي تضم أضافة للقرود الانسان القديم أيضا . وأرجو مراعاة ان ترتيب الاجناس التالية مبني على اساس عمرها الجيولوجي ابتداءا من أقدمها عمرا أو حسب ما تقتضيه الضرورة .

Sahelanthropus tchadensis

الاسم العلمي يعني الانسان الساحلي التشادي ، والساحل اسم منطقة في تشاد وليست ساحل البحر . عثر على جمجمة هذا الكائن عام 2002 وهي أقدم أحفورة لسلف بشري يعود عمرها الى أكثر من خمسة ملايين سنة ( عصر الميوسين ). فجوة الدماغ هي بحجم دماغ الشمبانزي ( 530 سم3 ) تقريبا لكن الاسنان بشرية ولايعرف ان كان يمشي على اربع أو اثنين لعدم العثور على عظام الساق . وقد عثر الباحثون قبل سنة أيضا على عظام أخرى في الموقع ذاته ولكن نتائج دراستهم لم تنشر بعد الا انهم يقولون انها ستضيف معلومات مهمة عن حياة الانسان في تلك الحقبة . يستنتج العلماء ان الجمع بين صفات الشمبانزي الواضحة على الجمجمة والانسان في هذا الكائن تدل على حلقة تطورية من الشمبانزي القديم نحو الانسان . وفي عام 2001 عثر في كينيا على بقايا عظام لاسلاف بشرية صنفت على انها جنس جديد لسلف بشري ولكني لن أتطرق هنا لذلك لان الجدل حول صلاحيته كجنس مستقل لايزال قائما .

Ardipithecus ramidus

الاسم العلمي يعني قرد الارض . تم العثور على عظام هذا الكائن عام 1992 وأعطي له اسمه العلمي عام 1994. يعود تاريخ العظام الى 4,4 مليون سنة مضت ولكن عظاما أخرى تعود لهذا النوع تم كشفها في مناطق أخرى تعود الى حقبة أقدم . معظم البقايا عثر عليها في أثيوبيا . يبلغ طول الكائن 122 سم وله صفات أقرب للشمبانزي منها للانسان لكنه كان يمشي على قائمتين ( يسمى علميا ثنائي القائمة).

Australopithecus aramensis

الاسم العلمي يعني قرد الجنوب. عثر على أحافير هذا الكائن في فترات متفاوتة ما بين 1965 و 1995 في كينيا لكنه لم يحمل اسمه العلمي الا في 1999 بعد دراسة مستفيضة لعظامه . عاش هذا المخلوق بين 4,2 الى 3,9 مليون سنة مضت . الجمجمة والاسنان تشبه الشمبانزي القديم ولكن عظام الاطراف كثيرة الشبه بالانسان كما نه كان يمشي على قائمتين .

Australopithecus afarensis

الاسم العلمي يعني قرد الجنوب الافاري نسبة الى منطقة أفار في أثيوبيا . عاش هذا الكائن قبل 3,9 الى 3 مليون سنة . وجهه يشبه القرد مع وجود بروز عظمي عال فوق الحاجبين وأنف مفلطح ولم يكن له حنك . حجم تجويف الدماغ يتراوح بين 375 الى 550 سم3 . أسنانه تشبه اسنان الانسان والانياب صغيرة . الفكوك ليست مربعة كما في الشمبانزي ولكنها تشبه استدارة الفكوك البشرية . عظام الساقين تشير الى قوة جسدية لكن الذكور كانت أكبر وأضخم من الاناث ، يتراوح الطول بين 107 الى 152 سم . ابهام القدم أطول من ابهام قدم الانسان ومنحرف الى الخارج وهذه صفة تشير الى انه كان متسلق أشجار أضافة لكونه ثنائي القائمة.

عثر على أول العظام عام 1973 ولكن في عام 1974 تم العثور على الهيكل العظمي الانثوي الشهير لهذا النوع والمعروف باسمه الشائع " لوسي " .

Australopithecus africanus

قرد الجنوب الافريقي. عاش في الفترة بين 3 الى 2 مليون سنة مضت وتظهر عليه صفات الانسان أكثر من النوع الذي سبقه (الافاري) كما انه أكبر حجما منه مع زيادة طفيفة بحجم الدماغ تزيد قليلا عن حجم دماغ الشمبانزي ( حجم الدماغ صفة تطورية مهمة جدا ). الفكوك قريبة الشبه بفكوك البشر لكنها أكبر حجما مع صغر حجم النيبان وكبر الاضراس مما يشير الى طبيعة تغذيته كأكل الفواكه أو النبات . عثر على عظامه عام 1924.

Australopithecus robustus

قرد الجنوب الثقيل. سمي بالثقيل لكبر جمجمته وضخامة أسنانه. عاش قبل مليونين الى مليون ونصف سنة. الوجه مسطح كثيرا ولا يوجد بروز عظمي فوق الحاجبين، الاسنان الامامية صغيرة لكن الطواحن كبيرة بمل يدل على ان غذاءه كان نوعا خشنا يحتاج الى مضغ شديد. حجم الدماغ 530 سم3. هناك أدلة عثر عليها مع العظام تشير الى استخدامه لبعض الادوات اليدوية البسيطة. عثر على عظامه عام 1938.

Zinjanthoprus boisie) Australopithecus boisei )

يلاحظ ان الاسم العلمي القديم (بين قوسين) لهذا الكائن يبدأ بكلمة زنج وهي من اللغة العربية كما لايخفى وتعني في مفهومنا الحاضر الانسان ذا اللون الداكن ولكنها في الحقيقة كانت تشير قديما الى مكان في شرق أفريقيا ولا يصعب على القارئ ربط المعنى الحالي بالمعنى القديم. عاش القرد الزنجي هذا قبل مليون ونصف المليون سنة. وجهه أكثر تسطحا من سابقه وأقرب للانسان منه للشمبانزي ولكن جمجمته وأسنانه أكثر ضخامة. عثر على عظامه عام 1959.

يلاحظ مما سبق ان كل الانواع العائدة الى جنس قرد الجنوب والتي تطورت عن بعضها كما تشير الى ذلك تواريخ وجودها على الارض أنها تجمع بين صفات الشمبانزي القديم والانسان لهذا يعتقد العلماء انها مراحل وسطية في تطور الإنسان من سلف مشترك مع القرد الى الانسان الذي نعرفه اليوم . أما الأنواع الأكثر تطورا والتي سوف أأتي على ذكرها لاحقا فقد أقتربت من الصفات البشرية حتى الوصول الى الإنسان العاقل. وأود الاشارة هنا الى انني حذفت من القائمة السابقة كما سأحذف من القائمة اللاحقة بعض الأنواع التي لا أرى انها تمثل تحولا مهما في التطور الإنساني وتقتصر أهميتها على النواحي التصنيفية.

snobserver@yahoo.com

No comments: