Tuesday, May 27, 2008

أصل الأنسان ..منظور علمي - 2

نشوء الارض :
رغم ان موضوعنا الاساسي هو البحث في ظهور الانسان على كوكب الارض الا اننا لانتمكن من فهم مراحل ظهور الانسان من دون التعرف على بعض المفاهيم الاساسية الاخرى ذات الصلة كالنشأة الاولى للارض ثم بعد ذلك تدرج ظهور الاحياء عليها وصولا للانسان وهو آخر المخلوقات كما يظهره لنا السجل الجيولوجي والاحافيري . وكما أسلفت في المقدمة فاني سأحاوا تجنب التفاصيل التي قد يملها القارئ وحتى لا ابتعد كثيرا عن صلب الموضوع فسأكتفي بالقدر الذي يوضح الهدف الذي اريد الوصول اليه.
لم يتوقف عقل الانسان يوما واحدا عن التفكير في هذه الاض وكيف نشأت وما عمرها . وقد رأينا سابقا كيف ان الاسقف الايرندي أوشر حسب عمر الارض ببضعة آلاف من السنين قبل المسيح . غير ان التقدير الصحيح لعمر الارض لم يكن متاحا قبل اكتشاف التقنيات الحديثة بتقدير أعمار الصخور والتي تستخدم فيها النظائر المشعة . تحتوي كل صخور الارض على تلك النظائر والتي بقيت محفوظة فيها أو ما تبقى منها وهو المهم على مر الزمن . وقد أسفر المسح شبه الشامل لصخور مختلفة من كل أصقاع الارض على ان عمر أقدم صخرة يساوي 4,55 مليار سنة بما يعني ان الارض لابد ان تكون تكونت في مثل هذا الوقت ( يمثل هذا الرقم ثلث عمر الكون ككل حسب التقديرات الحديثة والمعلومات المستقاة من النجوم والمجرات ) . لكن الوضع على الارض لم يكن بالشكل الذي نعرفه اليوم .

 يعتقد العلماء ان الارض كانت ملتهبة ومائعة ( صخور سائلة ) كما هو عليه الحال في الحمم البركانية التي نراها اليوم ، وكان جوها مشحونا بكميات من ثاني اكسي الكربون و الامونيا و الميثان وبخار الماء أما الاوكسجين فلم يكن بعد موجودا ( يكون الاوكسجين اليوم 21% من جو الارض ) . ومع مرور الوقت الذي يقدر بين 700000 الى مليار سنة بدأت الارض تبرد ببطئ مما سمح لبخار الماء بالتكثف ليسقط امطارا ملئت الاماكن المنخفضة فتشكلت المحيطات التي كانت لاتزال ضحلة . يعني هذا ان تلك الحقبة من عمر الارض كانت خالية من أي شكل من أشكال الحياة ولا عجب فما من كائن حي بمقدوره العيش في مثل تلك الظروف.

بدء نشوء الحياة :
لكي يتسنى لنا ادراك فكرة الظهور الاول للحياة على الارض والتي ستكون قد نشأت حتما من مواد غير عضوية ( لا حياتية ) وهي المواد التي كانت سائدة على الارض بعد برودتها ، لابد لنا من الاطلاع على المعلومات الاساسية المتعلقة بأ صغر وأهم جزيئات الحياة وأعني بذلك الاحماض النووية أو جزيئة الدنا ( د ن أ ) على وجه الخصوص ،
وهي المادة الوراثية لكل الاحياء .
جزيئة الدنا موجودة في نواة كل خلية حية ومن هنا سميت بالاحماض النووية ، فأن لم تكن للخلية نواة كما هو الحال في خلايا البكتيريا فان الدنا ستكون في سيتوبلازم الخلية . تتكون كل واحدة من جزيئات الدنا من عدد ضخم جدا من وحدات متشابهة صغيرة تسمى نيوكليوتيدات وكل واحدة من هذه الوحدات تتألف من ثلاث مكونات ثابتة أيضا هي جزيئة سكر ( ديوكسي رايبوز ) ومجموعة فوسفات وقاعدة نيتروجينية . والقواعد النيتروجينية لها أربعة أنواع أيضا هي الأدنين و الثايمين و الجلايسين و السيتوسين ( ايراد هذه التسميات مهم في حديثنا حتى يتذكرها القارئ لا حقا ، أنظر الصورة المرفقة لجزيئة الدنا في آخر المقالة ) .
وجزيئة الدنا شريطية الشكل أي انها شريط أو جديلة طويلة جدا حلزونية المظهر مكونة من ملايين النيوكليوتيدات ( لو فتحنا جزيئات الدنا في جسم الانسان مثلا ووصلناها مع بعضها لدارت حول الكرة الارضية عدة مرات ) . وجديلة الدنا ليست مفردة بل هي مزدوجة أي مكونة من جديلتين متماثلتين متصلتين من أحد الجانبين على طوليهما بحيث ان كل وحدة أدنين تقابلها وتتصل بها وحدة ثايمين و كل وحدة جلايسين تقابلها وحدة سايتوسين ( القواعد النيتروجينية ) وهكذا تكرارا . كل بضعة آلاف من هذه الوحدات المتكررة تكوّن جينا واحدا ، فالجينات اذن تكرارات معينة للنيوكليوتيدات . تختلف الجينات فيما بينها بأختلاف تكرار القواعد النيتروجينية ، تماما كما في اللغة فليس عندنا في العربية غير 28 حرفا ولكن هناك الالاف من الكلمات ، السر يكمن في أختلاف وضع الحروف داخل الكلمات . الجين اذن هو موقع محدد على جزيئة الدنا وله تكرار ثابت من القواعد النيتروجينية تميزه عن غيره من الجينات . وللفائدة نذكر ان المادة الجينية اي الوراثية للانسان تتكون من 3,3 مليار زوج من القواعد النيتروجينية وهذا يعادل بلغة الحاسوب 825 ميجابات من المعاومات وهو رقم مذهل .
الدنا كما لاحظنا مجموعة من الجينات والجينات شفرات وراثية وهي من أعجب الغاز الطبيعة . ينتقل الجين من الاب أو الام ( أو كليهما في الواقع في الاحياء ثنائية الجنس ) حاملا معه صفات معينة كصفة لون البشرة مثلا ، ولكن هل ان لون البشرة مكتوب على الجين ليظهر في النسل . الجين شفرة والشفرة لابد لها ان تفسر كي تكون مفهومة ومفيدة ، وهذه العملية بالذات أي فك شفرة الجين لهي في غاية التعقيد ولكنها في غاية الدقة أيضا ويدخل فيها فريق كبير من الانزيمات التي تنفذها وتسيطر عليها . ملخص الحكاية ان الجين هو شفرة محددة لصناعة أو انتاج نوع محدد من البروتينات وهي وحدات البناء الاساسية لآي كائن حي ( الانزيمات أيضا برويينات) . عند الحاجة لصناعة بروتين معين داخل الخلية أو عند نمو الاجنة مثلا يقوم الدنا بنسخ الجين المطلوب اي تكوين نسحة جديدة منفصلة لذلك الجين و هذه النسخة هي حامض نووي أيضا يسمى الرنا ( ر ن أ ) وهناك عدة أنواع منها ولكن ما يحمل شفرة البروتين يسمى الرنا الرسول لانه رسول من الدنا الى مصنع البروتينات في الخلية والمسمى رايبوسوم . يغادر الرنا الرسول نواة الخلية متجها الى الرايبوسوم حيث يتم تفكيك الشفرة لانتاج البروتين المطلوب . هذه الشفرة في الحقيقة هي رموز تشير الى مكونات جزيئة البروتين الا وهي الاحماض الامينية . فكما ان الجينات ( دنا ) تتكون من وحدات ثابتة متككررة هي النيوكليوتيدات فأن البروتينات تتكون من عدد ضخم مكرر من الاحماض الامينية العشرين والتي تترتب وراء بعضها بنسق ثابت ومحدد وهذا النسق في الترتيب هو الذي يميز البروتينات عن بعضها ، فالجين هنا يحمل شفرة لنسق محدد من الاحماض الامينية . وهذه الاحماض الامينية والقواعد النيتروجينية ستكون الحجر الاساس في بزوغ الحياة على الارض كما سيرد ايضاحه .
لايخفى عليكم فان الجنين يستلم نسختين من جديلة الدنا ( في التكاثر الجنسي ) ، نسخة من الاب ( أو الذكر والانثى في النبات ) و نسخة من الام . نحن نسمي هذه الجدائل كروموسومات لانها أثناء الانقسام الخلوي تلتف على نفسها بشكل كثيف مكونة أشرطة قصيرة وسميكة هي الكروموسومات .
في خلايا الانسان ( عدا الحيامن والبيوض ) يوجد 46 كروموسوما وفي الكلاب 78 وفي الحصان 64 وقد يصل العدد الى مئات في بعض الاحياء . ولا بد من الاشارة هنا ان التركيب الكيميائي لجزيئة الدنا واحد لا غير في كل الاحياء كبرت أو صغرت ، نباتية أو حيوانية . وهذا التطابق في التركيب جعل بالامكان زراعة جين مأخود من انسان مثلا في دنا حيوان آخر أو حتى في خلية بكتيريا بعد تعديل بسيط . وهذا التشابه التام في الوحدات الوراثية ( لم تكن بعد معروفة أيام دارون ) هو واحد من الركائز التي يبني عايها مناصروا نظرية التطور حججهم على اعتبار ان هذا التماثل الدقيق يشير الى ان أصل الحياة كان واحدا قبل ان تتشعب وتتفرق . وللزيادة في المعلومات فأن صناعة الجينات في المختبر أصبحت ميسورة في وقتنا الراهن ولم لا طالما انها مكونة من مجموعة من مكونات كيميائية معروفة والحقيقة يستطيع أي باحث أن يصنع ملايين النسخ من جين معين خلال ساعة كما يمكن دمجها داخل خلايا البكتيريا او الخمائر لانتاج بروتينات معينة لاغراض تجارية أو علمية.
في الموضوع القادم سنتطرق الى الكيفية التي ظهرت بها الحياة على الارض من وجهة نظر علماء البيولوجيا واستنادا الى المعلومات التي 
مر ذكرها والتي تم كشفها عن البروتينات والاحماض النووية 

No comments: