Tuesday, May 27, 2008

أصل الانسان .. منظور علمي - 5

كتابات - د.حامد علوان

العصور الجيولوجية .. تكملة

الحقبة المتوسط للحيوانات ( ميسوزويك 248 – 65 مليون سنة خلت )

سميت هذه الحقبة بالمتوسطة أو الوسطية لان الحيوانات التي ظهرت فيها لم تكن تشبه مجموعات الحيوانات التي مر ذكرها في الحقب السابقة ، كما انها لاتشبه الحيوانات التي اتت بعدها ، ولم يقتصر الامر على الحيوانات بل شمل النباتات أيضا . ولكي نتعرف على هذه الحقبة لابد من القاء نظرة ولو عاجلة على عصورها الثلاثة المختلفة .

أ. العصر الترياسي ( 248 – 206 مليون سنة خلت )

استمرت قارة بانجيا التي تشكلت في العصر البرمي ( السابق ) على حالها في معظم زمن هذا العصر الا انها بدأت بالتشقق في أواخره صاحب ذلك ارتفاع في مستوى سطح البحر ، أما الجو فأصبح أكثر دفئا وأعلى رطوبة . ظهرت اولى الديناصورات الصغيرة في هذا العصر والتي لم يتجاوز طولها نصف قدم لكن اعدادها تزايدت مع الوقت . بدأت بعض أنواع اللبائن التي تطورت من الزواحف بالظهور أيضا كذلك ظهرت أعداد من أنواع الافاعي والسحالي . أما ظروف المناخ الجافة فلم تساعد على ازدهار النباتات كثيرا خاصة في مناطق شمال خط الاستواء الا ان النصف الجنوبي من الارض شهد ازدهارا كثيفا للصنوبريات وبعض الحزازيات.

ب. العصر الجوراسي ( 206 - 144 مليون سنة خلت )

أنقسمت قارة بانجيا العملاقة الى جزئين كبيرين ، جزء الى الشمال سمي لوراسيا وجزء جنوبي سمي جوندوانالاند . بقي الجو دافئا مع ارتفاع أكبر في الرطوبة ، اما قطبا الارض فكانا عاريين من الجليد . في هذا العصر بالذات ظهرت الديناصورات الضخمة ليصل أحد انواعها الى اكبر حجم لحيوان عرفته الارض في تاريخها ، فقد بلغ طول الديناصور براكيوسورس 24 مترا وارتفاعه 13 مترا ووزنه 50 طنا . انه عصر الديناصورات العملاقة آكلات النبات . أما المحيطات فقد عمرت بالاسماك وبعض الديناصورات البحرية كما سادت في السماء ديناصورات طائرة لم يعد لها وجود فيما بعد مثل بيتروسورس . هذه الفترة أيضا وبسبب الدفئ والرطوبة ساعدت على نشوء بعض النباتات الزهرية لتبدا رحلتها في الحياة وتزدهر في العصور اللاحقة .

ج . العصر الطباشيري ( 144 – 65 مليون سنة خلت )

استمر ابتعاد القارتين عن بعضهما ثم انفصلت امريكا الجنوبية عن افريقيا وانفصلت استراليا عن القارة القطبية الجنوبية ، وهذا الانفصال احدث خطا جديدا في التطور اذ دفع الى ظهور نوع من اللبائن عديمة الفكوك . أنفصلت الهند ايضا عن جوندوانالاند لتبدأ رحلة ال 8000 كيلومتر الطويلة حتى مستقرها الحالي . أما الجو فقد استمر دافئا ورطبا و ممطرا . ولعل أهم مايطبع هذه العصر هو انقراض الديناصورات في اواخره أي قبل 65 مليون سنة رغم كثرة انواعها و أعدادها الكبيرة التي سادت الارض عشرات الملايين من السنين ، ولن نخوض في الاراء حول اسباب انقراضها مخافة الاطالة ولكن على اية حال سمح انقراض الديناصورات الارضية لحيوانات أخرى كانت ثانوية الاهمية بالانتعاش والتطور الى انواع جديدة . كذلك شهد العصر تنوع النباتات الزهرية وانتشارها الواسع كما ابتدأ ظهور الاعشاب والخضارالتي لم يكن لها وجود سابقا .

الحقبة الحديثة ( سينوزويك 65 مليون سنة خلت الى الزمن الحاضر )

امتدت هذه الحقبة لفترة 65 مليون سنة اي منذ الانقراض الكارثي للديناصورات وحتى يومنا هذا . ويطلق بعض العلماء على هذه الحقبة تسمية عصر اللبائن بسبب ازدياد اعداد انواعها وسيادتها على الارض رغم ان بعض اللبائن ظهرت قبل هذا التاريخ كما اسلفنا . ورغم القصر النسبي لزمن هذه الحقبة الا انها تقسم الى حقب ثانوية وعصور فرعية سنكتفي بالاشارة الى أهمها .

أ. عصر الباليوسين ( 65 - 54,8 مليون سنة خلت )

في هذا العصر بدأت حرارة الجو بالانخفاض خاصة عند القطبين بينما كان معتدلا في ارجاء المعمورة الاخرى (لم يعد دافئا). تنوعت اللبائن تنوعا كبيرا فظهرت انواع جديدة ومنها بروز الحيوان المعروف بأسم جليتودون في أمريكا الجنوبية ( لبون يغطى ظهره درع سميك ). شهد البحر ظهور حيوانات جديدة مثل قنفذ البحر أضافة لازدياد تنوع الاسماك واللا فقريات. ازداد انتشار النباتات الزهرية الى اماكن لم تكن موجودة فيها.

ب. عصر الايوسين ( 54,8 – 33,7 مليون سنة خلت )

في هذا العصر استمرت القارات بالتحرك نحو مواقعها الحالية وتم انعزال الامريكتين بعيدا عن آسيا واوربا فأوجد ذلك خطا جديدا للتطور في البيئات الجديدة. في هذا العصر أيضا بدأ ظهور أسلاف اللبائن الحديثة ( عدا الانسان ) ولكنها كانت صغيرة الحجم لم يزد وزنها عن 10 كيلوغرام مع تنوع كبير في الاحياء الاخرى. في البحار ايضا أستمر ظهور انواع اخرى من الاسماك واللافقريات وبداية ظهور الحيتان التي يعتقد انها انحدرت ( تطورت ) من حيوان ارضي ثم تكيفت للمعيشة في الماء. ظهرت أيضا في البحر النباتات المجهرية وحيدة الخلية المعروفة بالعوالق النباتية والتي شكلت فرصا جديدة للتنوع الحياتي البحري نظرا لكونها قاعدة الهرم الغذائي في البيئة البحرية ( عوالق نباتية ــــ> عوالق حيوانية ويرقات اسماك ــــــ> اسماك وحيتان )

د. عصر الاوليجوسين ( 33,7 – 23,8 مليون سنة خلت )

رغم قصر هذا العصر النسبي الا انه شهد تغيرات واضحة منها ظهور الفيل والحصان القديم و مجموعة كبيرة من انواع الاعشاب غير المعروفة سابقا والتي منحت العواشب ( آكلات الاعشاب ) فرصة كبيرة للازدهار والتنوع والتطور مثل تطور الاجهزة الهضمية في المجترات ، وبأزدياد انواع العواشب ظهرت انواع اخرى من المفترسات التي صار غذاؤها متوفرا ( ظهرت هنا الكلاب والقطط ) . أما الجو فمال للبرودة وغطى الجليد أقطاب الارض .

ه . عصر الميوسين ( 23,8 - 5,3 مليون سنة خلت )

في هذا العصر برزت فوق الارض سلاسل جبال روكي والالب والهملايا وغيرها كنتيجة لتصادم كتل اليابسة ( الحركة التكتونية لصفائح الارض ) . ازداد تنوع العواشب التي طورت ستراتيجيات جديدة للهرب من المفترسات المستشرية والآخذة بالازدياد ومن هذه الوسائل ميكانيكية خزن الغذاء الفائض عن الحاجة داخل الجسم وبهذا تستطيع الاختباء لفترة ما من اعين المفترسات مما يزيد في فرص بقائها . ظهرت ايضا انواع جديدة من الطيور مثل الحمام والببغاء ونقار الخشب ، وأيضا نشأت بعض اللبائن الصغيرة مثل الفئران وخنازير غينيا ( هذه أمثلة وليست للحصر ) .

و . عصر البليوسين ( 5,3 - 1,8 مليون سنة خلت )

انخفضت حرارة الجو فتبعها تراكم اكثر للجليد في الدائرة القطبية الشمالية والقطب الجنوبي . ازدادت الاعشاب انتشارا بحيث غطت جميع القارات صحبها ظهور تنوع جديد في العواشب أمثال الغزلان والزرافات وحمير الوحش . أما النباتات الزهرية والثمرية فل تشهد تطورا ملحوضا . لكن الذي أضفى صفة جديدة على هذا العصر هو العثور في عام 2002 على أحافير لكائن شبيه بالانسان في وسط افريقيا فتم تصنيفه واعتباره اول سلف للبشر يظهر قبل ما يقرب من خمسة ملايين سنة ، وسوف أعرض لهذا الموضوع بكثير من التفصيل في المقالاات القادمة.

ز . عصر البليستوسين ( 1,8 مليون – 10000 سنة خات )

هذا هو العصر الجليدي الذي تكفنت فيه الارض بالثلج . غير ان الجليد لم يطمر الارض طيلة هذه الفترة بل كانت هناك فترات متعاقبة من الدفئ والبرودة فكان الجليد يزول ويعود ، أما آخر عهد للارض بالجليد فكان قبل عشرة آلاف سنة مضت . بعض اللبائن انقرضت خلال هذا العصر من مثل فيل الماموث لكن معظم أحياء هذه الفترة من نبات أو حيوان أستطاعت ان تصل الى عالم اليوم . أما أهم ما يميز هذا العصر فهو التطور الكبير الذي حصل في الجنس البشري والذي وصل في أواخره الى الانسان الذي نراه اليوم .

ح . العصر الحديث ( هولوسين 10000 سنة الى الحاضر)

لتعرف شكل الحياة في هذا العصر الوجيز فانك لن تحتاج أكثر من النظر لما حولك ، فلم يتغير الكثير خاصة وان الفترة الجيولوجية قصيرة جدا ، لكن اذا اردنا ان نطلق تسمية معينة على هذا العصر فسيكون بلا منازع عصر الانسان العاقل . هذا الانسان العاقل سيجر بعقله كل شيئ الى خراب او زوال فالارض لم تشهد خلال تاريخها الطويل اي كارثة بيئية في فترة قصيرة ليست اكثر من طرفة عين كما تشهده اليوم . لقد غير الانسان البيئة بأصرار وحشي الى الاسوأ وبطرق عدة مثل التلوث الهائل بكل انواعه وتغيير البيئة الطبيعية بازالة مكوناتها كالغابات وتخريب طبقة الاوزون التي سيكون ضررها بالغا . ولدينا من الادلة ما يكفي للاعتقاد ان 20 % من أحياء الارض ستنقرض تماما في حلول عام 2020 .

سنعود في الحلقة القادمة الى نبش تاريخ الانسان والتعرف على أسلافه وتطورها لنرى أصل الانسان كما يراه العلم .

snobserver@yahoo.com

No comments: